تكملة عقيدة المطر للأب الدكتور أغسطينوس
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تكملة عقيدة المطر للأب الدكتور أغسطينوس
المميتة والزمنية ، كما أنه يوجد تفاوت بين من يرتكب مخالفة أو جنايات في القانون المدني وفي العهد القديم نجد هذا التفاوت في الخطايا ونستطيع استنتاجه من الذبائح التي كانت تقدم فهناك ذبيحة الإثم والإثم هذا هو الخطية الموجهة ضد الله كما أنه توجد ذبيحة الخطية أو هي الذنب وهي الذنب الذي كان يرتكب من الإنسان لأخيه الإنسان. وفي صلاة الآبانا التي علمنا إياها المسيح نجد واغفر لنا آثامنا أو خطايانا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا وهذا في بعض الترجمات ليظهر الفارق بين الإثم الجسيم الذي يرتكب ضد الله والذنب أيضاً الذي لا يقل خطورة وإنما ضد الإنسان من الإنسان . كما أن المسيح ذاته أظهر لنا هذا التفاوت في الخطايا من خلال تعاليمه وعظاته وهنا ما نجده في هذه الآيات :
- ما بالك تنظر القذى الذي في عين أخيك، ولا تفطن للخشبة التي في عينك أم كيف تقول لأخيك أخرج القذى من عينك، وها إن الخشبة في عينك يا مرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تنظر كيف تخرج القذى من عين أخيك مت 3:37—5 يرمز القذى إلى العيوب الصغيرة، وترمز الخشبة إلى العيوب الكبيرة فكأن بالسيد المسيح يقول يا مرائي، كيف تريد أن تصلح أخاك من عيوبه الصغيرة وتغض الطرف عن عيوبك أنت الكبيرة فإن كنت محقاً حقاً في دعواك فاصلح نفسك أولاً من عيوبها الكبيرة ثم ترى بعد ذلك كيف تصلح أخاك من عيوبه الصغيرة . - ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون تعشرون النعنع والشبت والكمون وتركتم أنتم الناموس الحق والرحمة والإيمان كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا ذلك أيها القادة العميان الذين يُصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوءتان اختطافاً ودعارة" مت 23:23-28
ويظهر من خلال توبيخ المسيح للفريسين الذين كانوا يرتكبون ابشع الجرائم ويحفظون صغائر الوصايا وهنا واضح جداً التفاوت بين الخطايا من خلال هذا التوبيخ.
- قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه رقاً يكون مستوجب المجمع ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" مت 21:5-22 يعلمنا الرب أنه يوجد اختلاف بين الخطايا بطريقة المحاكمة عليها لقد ضرب السيد المسيح مثل يظهر لنا أن هناك تفاوت أيضاً وهذا المثل نجده عند القديس متى 23:18-35 عندما سامح السيد عبد كان له عنده عشرة آلاف وزنة ولكن هذا العبد لم يسامح عبد آخر كان له عنده مائة دينار وسمع السيد بخبر هذا العبد فاستدعاه وقال له : "فدعاه حينئذ سيده وقال له أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إليّ أفما كان ينبغي أنك أنت أيضاً ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا" مت 32:18-33 وهذا المثل يوضح التفاوت بين الخطايا من خلال المديونية الكبيرة والمديونية الصغيرة .
والقديس متى يذكر لنا الفارق بين الوصايا الكبيرة والوصايا الصغيرة فالوصايا الكبرى كالعدل والرحمة والإيمان ووصايا صغيرة مخالفاتها لا تحرم صاحبها من دخول الملكوت وإن حرمته من مجد عظيم. "الحق أقول لكم من خالف وصية من تلك الوصايا الصغار وعلم الناس أن يفعلوا مثله عُد صغيراً جداً في ملكوت السموات وأما الذي يعمل بها ويعلمها فذاك يُعد كبيراً في ملكوت السموات" مت 19:5. لا تحرم مخالفة الوصايا الصغرى من دخول ملكوت السموات ولكن مخالفاتها تجعله صغيراً بمعنى غير جدير بها لهذا يحرم من الدخول بصفة مؤقتة حتى يصبح على مستوى الدخول أو يكون جدير بهذا الملكوت والمطهر يساعده في ذلك لأنه لا يوجد في السماء صغير وكبير لأنه أحجام بشرية لا تطبق على أبناء السماء الذين في الروح وبالروح يسلكون بعيداً عن كل ما هو مادي . وأخيراً نجد عن القديس يوحنا هذه الآية التي تقول :- "من الخطيئة ما هو للموت .. ومن الخطيئة ما ليست للموت" 1يو 16:5-17.
هناك الخطيئة الثقيلة وهي المميتة أي التي أجرتها موت والتي لا مغفرة لها في المطهر أو وغيره ولكن هناك خطيئة ليست للموت هذه هي الهفوات والشوائب والتي تغفر في المطهر . ولا يوجد بعد ذلك وضوح في وجود التفاوت بين الخطايا.
المحور الثالث من بناء المطهر وهو حقيقة الدينونة الخاصة بعد الموت : هذا المحور الثالث في بناء المطهر أو عقيدة المطهر ولا يقل أهمية عن المحورين السابقين وهذه الحقيقية موجودة طقسياً كما رأينا وكما سنرى فنجد في رسالة العبرانيين الآتي :- "وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" عبر 27:9 ففي هذه الآية نجد أن الموت طبيعي لكل البشر ولكن بعد الموت مباشرة توجد دينونة للنفس المتنيحة ولنفس المتنيح. والكنيسة المقدسة تعتقد بوجود قديسين في السماء وتحتفل بأعيادهم وهذا يدل على أنهم وجدوا أبراراً صالحين بعد الموت وهذه البرارة لم تقرر إلا بعد حكم الدينونة وإلا فكيف دخلوا ملكوت السموات؟ على أي أساس تبني الكنيسة حكمها هذا على أن فلان قديس ويجب إكرامه في العبادة ؟ هل هو حكم الكنيسة من نفسها ؟ أم أنه وُجد هكذا قدام الله عن طريق الدينونة وهل نحن نقدس أشخاص الآن وبعد ذلك نجد أنهم ليسوا قديسون فماذا هذا التشويه فلابد إذاً من وجود دينونة خاصة للنفس وفيها يعلن الله أو السماء أو عن طريق القديس ذاته قداسته.
والكتاب المقدس يعلمنا أن أبراراً نالوا السعادة والأشرار ذهبوا إلى العذاب الأبدي قبل الدينونة العامة فلابد أن تكون هناك دينونة خاصة وهذا ما نجده في مثل الغني ولعازر والكل يعرف هذه القصة ولكن الشيء الذي يصفه الوحي أمام أعيننا حتى لا ننسى هذه العقيدة وهي الدينونة الخاصة هو : "فمات المسكين فحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ومات الغني أيضاً ودفن ورفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه فنادى وقال يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء فيبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب فقال إبراهيم يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا والآن وهو يتعزى وأنت تتعذب …فقال أسألك يا أبت أن ترسله إلى بيت أبي لأن لي خمسة أخوة حتى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا" لو 22:16-31.
في هذا النص نجد الآتي :- شخص غني عاش في غناه ومات وذهب إلى جهنم لأنه كان أنانياً ومحباً لذاته. ونجد أيضاً شخص فقير ورغم فقره ومعيشة فقره فهو حافظ على إيمانه وثقته بالله رغم العذاب والشقاء فذهب إلى السماء. نجد إبراهيم أبو كل المؤمنين شاهداً على كل ما يحدث أو يبدو أن الحوار كان مع اليهود للذين كانوا يفتخرون بأنهم أبناء إبراهيم فإبراهيم نفسه شاهداً عليهم في يوم الدينونة ونجد أيضاً أخوة الغني الذي يخاف عليهم أخوهم وهو في الجحيم أو جهنم فيريد أن يرسل لهم رسول من السماء حتى يسلكوا بما يرضي الله. ومن هنا نفهم أن هناك دينونة خاصة لكل إنسان بعد مماته فالغني في الجحيم والفقير في السماء والأخوة في الأرض عائشين في الدينونة الخاصة لكل إنسان بعد رحيله من هذا العالم والدينونة العامة بعد رحيل كل الناس وجميع الناس لهذا فهي عامة وفي الدينونة الخاصة يتقرر مصير كل إنسان فوراً ويجازا أو يدان حسب أعماله. والمثل الآخر : مت 45:24-51 مثل ولي الأمر الأمين فإذا جاء سيده وجده في حالة سكر الخطيئة وفي حالة نوم من الكسل والتراخي فسمع الكتاب يقول عنه: "فإن سيد ذلك العبد يأتي في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعلمها ويفصله ويجعل نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الأسنان " مت 51:24 فبمجيء سيده يوم سيده يوم الرب ويقصد به يوم الدينونة العامة ولكن هنا يقصد به يوم أن ينتقل الإنسان من هذا العالم فيكون حسابه مع الأبرار أو مع الأشرار كما يقول هذا : "طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل الحق أقول لكم أنه يقيمه على جميع أمواله" رو 46:24-47.
إن مصير الإنسان الصالح والشرير يتقرر بعد الموت فوراً دون ما حاجة إلى يوم الدينونة العامة معنى ذلك أن هناك دينونة خاصة غير الدينونة العامة تتبع الموت مباشرة . والمثل الثالث هو في مر 34:13-37 في هذا المثل يشبه يسوع نفسه بمجيء رب البيت الفجائي فيقول : "كمثل رجل سافر وترك بيته وأعطى عبيده حق التصرف كل واحد في عمله وأوصى البواب بالسهر فاسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت في المساء أم في منتصف الليل أم في الصباح لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهروا " مر 34:13-37. الهجعات ترمز إلى مراحل عمر الإنسان المختلفة من طفولة، صبا، شباب، كهولة. كما أنها ترمز في الآن ذاته عن الأزمنة المختلفة في الفجر أو الصباح أو المساء أو في منتصف الليل ومجيء المسيح هذا بطريقة شخصية مجيء يطلب الحساب لأنه يقول اعطني حساب وكالتك كما جاء في لو2:16 وأما أن تكون أمين في حياتك لتنال الإكليل وتعطي أو ترفع المسؤولية أكبر. "لأنه الأمين في القليل أمين أيضاً في الكثير" وإما أن تكون غير أمين وتصبح حقير ترفع وتجرد من كل مسؤولية وتلقى في جهنم. "لأنه الغير أمين في القليل غير أمين في الكثير" وهذه الأمانة أو عدم الأمانة تحدد بالدينونة والحساب بطريقة شخصية وفي هذا المثل يدعو السيد المسيح الجميع للسهر والاستعداد لأنه غير معروف من الذي يأتي عليه الدور أو بمعنى أو بمعنى آخر يطلب من الجميع السهر والاستعداد حتى لا تكون هناك وصرير الأسنان .
وقد كلت رغبة القديس بولس الرسول الحارَّة وشوق قلبه في مشاهدة يسوع في السماء فنسمعه يقول : "فإني محصور من الاثنين لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً ولكن أن أبقى في الجسد الذي من أجلكم" روفيل 23:1-24. فالقديس بولس بهذا المعنى محصور بين رغبتين الرغبة الأولى هي السعادة الأبدية والرغبة الثانية هي أن يبقى في الجسد لأجل منفعة الكنيسة فرغبته الأولى هي التمتع في السماء بمجد الله وهذا أفضل من البقاء في الجسد والرغبة الثانية هي لأجل منفعة المؤمنين الروحية. وهذا يعبر عن أن نفوس الأبرار البريئة من كل دنس بعد خروجها من الجسد تفوز بالسعادة الأبدية وتتحد بالمسيح ولهذا أو لذا رغب القديس بولس في الموت ليتمتع بيسوع فإذا كانت لدى القديس بولس فكرة إنه لا يتمتع برؤية يسوع مباشرة بعد الموت في الدينونة العامة ما كانت تصبح فكرة الموت رغبة لديه ورغبة قوية لأجل التمتع بشخص المسيح وهذا ما تعرفه فنحن نصل إليه من خلال الدينونة الخاصة . فهل كان يعرف القديس بولس أن بعد انتقاله من هذا العالم لم يدخل الملكوت ليتمتع بالمسيح لأنه لم يحن الوقت لهذا؟ ولكن كانت معرفة القديس بولس معرفة يقينية في شخص يسوع المسيح بأنه في حالة انتقاله من هذا العالم إنما ينتقل للمجد وللسماء ولهذا عبر عنها بالشوق والرغبة الكيانية ويقول سفر الرؤيا هذه الآية عن الأبرار : "وسمعت صوتاً من السماء قائلاًَ لي أكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم" رؤ 13:14 الشيء المؤثر والمشجع بالفعل هو في هذه الآية هي كلمة "الآن" بعد الموت المؤمنين يستريحوا من أتعابهم وأوجاعهم ويشتركون مع أخواتهم الذين سبقوهم في التمجيد والتسبيح أمام الجالس على العرش .
كل هذه الآيات وهذه الأمثلة إنما تخرج منها بفكرة واحدة ومنظمة وهي حقيقة الدينونة الخاصة للإنسان المتنيح مباشرة بعد موته ويدان حسب أعماله ويحدد مصيره بطريقة شخصية أو فردية إما جهنم إما السماء إما المطهر وكما قال القديس توما الأكوينى : الإنسان يحيا حياته بطريقتين :- الأولى شخصية فردية والأخرى جماعية أمام الناس والمجتمع وهكذا تكون دينونته فردية وجماعية.
المطهر والعقل :
- لا نظن أن عقيدة المطهر تخالف العقل البشري على الإطلاق وإنما هي في قمة العقلانية وإلا ما كان توصل إليها أو استنتجها العقل البشري وعبر عنها وعقيدة المطهر هي قراءة كتابية بطريقة عقلية. الفكرة هي :- في الكتاب المقدس نجد هذه الآية عن السماء. "ولن يدخلها شيء دنس ولا ما يصنع رجساً وكذباً إلا المكتوبين في سفر حياة الخروف" رؤ27:21. السماء لا يدخلها على الإطلاق شيء دنس أو رجس أو به أي شائبة وهنا يأتي السؤال لماذا؟ هذا السؤال بسيط جداً وهو لأن الله قدوس ولذلك يدعو الكتاب المقدس المؤمنين قائلاً : "كونوا قديسين كما أن أباكم السماوي هو قدوس" 1 بط 16:1 "أو كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل هو" فعدل الله لا يقتضي أن لا يدخل السماء إلا النفوس النقية كل النقاء والحال كما نقول في أوشية الراقدين في الطقس القبطي. "فإنه ليس أحد طاهراً من دنس ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض" وكما يقول سفر الأمثال "الصديق يسقط سبع مرات" أم 16:24 فهل معنى هذا لا يدخل أحد السماء ؟ وهل معنى هذا يوجد تساوي بين الإنسان الذي رفض الإيمان وبين الإنسان المؤمن الذي لا يخلو من هفوات أو شوائب ؟ ماذا نقول ؟ أهذا عدل !! فالمنطق يقول :-
أ – الإنسان البار القديس له الحق في الدخول والتمتع بالمشاهدة الطوباوية لله وهذا مثل القديس بولس الذي اشتهى أن ينطلق فلا غبار على مثل هذا البار والقديس فله هذه المكافأة.
ب. الإنسان الشرير والذي رفض نعمة الإيمان والتجاوب مع الروح القدس فلا مفر له من الجحيم أو جهنم حيث الندم وصرير الأسنان.
ج. الإنسان المؤمن الذي لا يخلو من شوائب أو هفوات أو بعض الدنس هل يدخل السماء مع الإنسان القديس فهذا لا يعقل فهل يدخل مثل هذا الإنسان إلى جهنم مع الأشرار والخطاة فهذا أيضاً لا يطاق ولا يعقل لما يحويه من ظلم… فماذا يكون المصير لهؤلاء؟ هل نقف عند هؤلاء ونتركهم دون أن نحدد لهم لا مكافأة أو ربح أو خسران وعتاب. ما مصير مثل هؤلاء؟
د. المنطق هنا يقول بوجود حالة ثالثة يطلق عليها المطهر فيها تتطهر النفس البشرية من كل الأدناس والشوائب حتى يصبح عليها الملابس اللائقة بالوليمة والعرس والاحتفال ومع المنتصرين في السماء. ويقول الأنبا غريغوريوس: "وليست الصلوات والقداسات وشتى القرابين والصدقات التى تقدم الآن عن أرواح الموتى تكفيراً ولا تطهيراً، وإنما هي مجموعها ابتهالات إلى الله وإستغاثات إلى استحقاقاته الخلاصية ليتفضل فيرحم الميت ويحكم له بالبراءة والمغفرة في يوم الدينونة العام. وكأنها جهود يبذلها الأحياء عن موتاهم طالما أن القاضى لم ينطق بالحكم بعد. وليست الصلوات والقرابين بملزمة لله، وإنما هي محاولات يتوقف نجاحها على موافقتها لإرادة الله، وإن كان لنا وعد من الوحى أنها نافعة إذا كانت خطايا المتوفى غير مميتة (راجع 1يو 16:5). ومن الاستهتار بقداسة الله وعدالته، أن نظن أن الخطايا غير المميتة لا تستحق من الأحياء كل هذه العناية، أو أن الله لا يكترث للأخطاء غير المميتة، ونحن نعلم "أنه بدون القداسة لن يرى أحد الرب" "وأن السموات ليست بطاهرة أمام عينيه وإلى الملائكة ينسب حماقة، وأن السماء لن يدخلها شيء دنس، ولا ما يصنع رجساً وكذباً". ولما كنا جميعاً غير كاملين كما أن أبانا الذي في السموات هو كامل، فلابد لنا من أن نطلب المغفرة للموتى، وإلا فلن يستحقوا الحياة السعيدة حتى ولو كانوا أبراراً وصديقين " لأنه ليس أحد طاهراً من دنس الخطيئة ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض". وفي هذا الاسترحام ما فيه من الاحساس العميق بقداسة الله التى لا تحتمل أن ترى بين سكان السماء شراً أو شبه شر، وبعدالة الله التى تقضي على الإنسان جسبما يكون عمله، فضلاً عما في الاسترحام أيضاً من فضائل المحبة لأخوتنا، والاهتمام بمصيرهم، بل وفيه اعتراف ضمنى وإيمان وثيق بالحياة الأخرى، وبالثواب والعقاب، وإلا فلا معنى للصلاة عن الموتى وطلب المغفرة؟!! ونحن في غنى عن البيان بأن قول الكنيسة "وليس أحداً طاهراً من دنس الخطية ولو كانت حياته يوماً واحداً على الآرض" إشارة إلى الخطيئة الأصلية التي يولد الطفل وارثاً لحالة آدم فيها، وأنه لا سبيل إلى غفرانها إلا بموته مع المسيح في المعمودية المقدسة، التى أسسها الرب لينال بها المؤمنون استحقاقات الفداء بفعالية الروح القدس الذي يكسب المياه الطبيعية هذه الخاصية الروحية. ومن هذا كله نرى أن التطهير بدم المسيح وحده، وأن الصلوات عن الراقدين لا قوة لها في ذاتها إلا من حيث استنادها إلى دم المسيح وعمل المسيح"
قصة قصيرة للتوضيح: كان من عادة أحد الملوك أن يصنع وليمة سنوية وكانت هذه الوليمة تضم نوعين من البشر النوع الأول من الأمراء أو الوزراء بالملابس الرسمية واللائقة بالحضور أمام الملك والوليمة والنوع الثاني من الفقراء والبؤساء بملابسهم الرثة والغير نظيفة فحدث أن أحد الوزراء وجد بعض البقع السوداء على ملابسه البيضاء فحزن حزناً شديداً لأنه لا يستطيع المثول أمام الملك لأن الملابس التي يرتديها لا تليق بالحضرة الملكية ففكر كثيراً وأخيراً هداه الفكر بأن يجلس مع الفقراء. هذه القصة قد تبدو خيالية أو واقعية ولكن نجد فيها ما يقبله عقلياً ومنطقياً:
أ- الوزير رفض المثول أمام الملك لأن ملابسه بها بعض البقع السوداء وهذا ملك زمني أو أرضي فهل يليق بالله أو بملك الملوك أن نقف أمامه ونحن نرتدي ثياب بها بقع سوداء هل فقدنا هذا التمييز؟
ب- الوليمة كانت في دار زمنية وعلى يد ملك أرضي لهذا كان فيها نوعان من البشر ولكن هذا لم ولن يحدث في السماء مملكة الله أو الثالوث أن يكون الأبرار والأشرار جنباً إلى جنب مما يدعنا نقول أنه لا فرصة لمشاهدة الملك أو حضور الوليمة بدون الملابس الرسمية واللائقة بهذا المكان وصاحبه وهي الملابس البيضاء الناصعة ولكن رحمة الله حتى لا تحرمنا من الوليمة السماوية أرادت أن تمنحنا فرصة أخرى عن طريق المطهر لنطهر من الأدناس والشوائب ونطهر ملابسنا من البقع السوداء حتى نصبح أو نكون في المستوى اللائق بأبناء الملكوت أليس هذا منطقياً وعقلياً مقبول من حيث وجود المطهر كمكان ومن حيث تلاقي الرحمة والعدل في خدمة الإنسان الغالي والمشترى بدم ثمين وليس رخيص. تابع المطهر عقلياً لأنه موجود عند العلماء وسائر الأديان: الفكر البشري نابع من العقل والعقل ومصدر العقل الأساسي هو الله، وتستطيع الثقافة والبيئة تشكيل العقل بالطريقة المنتشرة ولكن العقل يظل محتفظاً بشيء ثابت يرجعه إلى المصدر كما أن العقل البشري يستطيع الوصول إلى بعض الأشياء الأساسية والتي يظن البعض أنها غير ممكنة بدون وحي وذلك لأن الله يستطيع أن يوحي للعقل بأشياء يستوعبها ويدركها في حدوده وهذه قضية ظاهرة في رسالة أهل رومية: "إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهر لهم لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركه بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر" رو 19:1-20. هذا الكلام قاله القديس بولس عن الأمم والوثنيين وحتى نفهم نحن أيضاً بأن تصرفات وأفكار الشعوب الوثنية والأمية أو الغير مسيحية عامة قد تحمل وحياً من الله عن طريق العقل وحسب تفكيرهم وهذا ما سنحاول إظهاره أيضاً من خلال شرح عقيدة المطهر عن الشعوب والأمم وفي الحضارات والأديان الغير مسيحية أو بمعنى آخر هو فكرة المطهر في التراث الإنساني. المطهر في فكر الشعوب والحضارات المختلفة لا نريد أن نثبت عقيدة المطهر من خلال هذه حضارات الشعوب وثقافتها، ولم نلتجئ إلى هذه الحضارات والثقافات بسبب عجزنا وفشلنا في إقناع البعض، ولذا ألتجأنا إليها. ولا يعني أننا نقبل كل ما في هذه الحضارات والثقافات من أراء، ولكنن هذا لا يمنع احترامنا وتقديرنا لكل فكر إنساني، ولكل حضارة أو ثقافة بشرية.ولا يظن البعض بأنني ألتجأ إلى هذه الحضارات والثقافات لإثبات العقيدة، ولكننى لكي أقول كلمة بأن جميع الحضارات والشعوب لديها فكراً ما يعبر عن المطهر بطريقة أو بأخري. وهذا يعبر عن أن الفكر البشري الذي يستمد بعض الأنوار من العقل المطلق الذي هو الله.
ولنأخذ مثلاً على ذلك: فالحضارة الفرعونية تتحدث عن عقيدة الثالوث، فهل معنى هذا أن المسيحية أخذت عقيدة الثالوث من الفراعنة؟ بل نقول ولا يوجد تشابه بين العقيدتين، ولكن فكرة الثالوث الموجودة عند الفراعنة تكشف لنا بأن الحضارة البشرية يمكن أن تكون بمثابة الاعداد لما جاء به الوحي المقدس. حيث يُعد الله البشرية لفهم عقيدة الثالوث، عن طريق الأنوار البسيطة التي يستطيع العقل البشري أن يفهمها ويعبر عنها. المطهر عند القدماء المصريين: نجد فكرة الميزان لأعمال البشر عند الموت ماثلة في ديانة المصريين القدماء فعندهم أوزوريس الذي يزن أعمال الناس ويدفع كلاً منهم إلى الجزاء العادل. عند الفرس: في ديانة الفرس جسر الحساب أو جسر المزق الذي عبر هاوية الجحيم بين الأرض والسماء ويتسع للنفوس الصالحة ويضيق للنفوس الشريرة حتى يصبح أدق من الشعرة وأحدّ من الموس وتعذب به الأرواح من مقامات متعددة حتى تتطهر من آثامها وتصبح جديرة بالصعود إلى السماء. وعند اليونان: نجد فيثاغورس 6 ق.م يقول بتطهر الروح في أثناء الحياة بالدراسة والتأمل. أفلاطون 4 ق.م: في محاورته يقول بضرورة العقاب للتخلص من الشر. الرواقيون 3 ق.م: مذهبهم ينادي بضرورة تطهر النفس من الخطايا بعد الموت حتى تنال السعادة في الحياة الأخرى. والملحوظة هنا هي فكرة التطهير بعد الموت ولأجل السعادة الأبدية وكأن الرواقيون يؤمنون بالفعل بعقيدة المطهر ونادوا بها في القرن 3 ق.م. القديس أغوسطينوس 5 ق.م: في مدينة الله يقول أن المطهر امتداد للتطهير الذي ينال الروح في أثناء الحياة وبأن التطهر يحدث في أثناء الحياة أو بعدها أو في كلتا المرحلتين وبأنه يتم قبل يوم البعث (الدينونة- القيامة العامة). القديس سيداريوس الأرليس 6ب.م: ميز بين الكبائر التي تؤدي بالروح إلى الجحيم وبين الصغائر التي يمكن للإنسان أن يتطهر منها بأداء الأعمال الصالحة في الحياة والدنيا.
خلاصة: هذه أقوال وأفكار وخواطر وممارسات في داخل التراث الإنساني وسوف أتركه دون تعليق أكثر من هذا لأنه يعبر عما نريد بدون تعليق.
الاعتراضات حول عقيدة المطهر والتساؤلات:
الاعتراض الأول هو: دم المسيح طهرنا من كل خطية وباستحقاقات دم المسيح أعطانا عربون وتذكرة سماوية. فلماذا المطهر؟
مناقشة الاعتراض: هذا الاعتراض يظهر المعنى العميق لعقيدة المطهر وهو ربط المطهر بسر موت وقيامة المسيح وهنا تبرز ثلاث حقائق وهي:
أ- المسيح خلصنا من الخطيئة والموت: والموت هنا لا يقصد به الموت الجسدي ولكن الموت الأدبي والروحي وبموت المسيح استحق لنا الحياة الأبدية لأنه إن لم يمت المسيح لكنا ذهبنا إلى الجحيم ولكن الفضل لموت وقيامة المسيح لينقذنا نحن من الموت (الموت الأدبي أو الروحي) الذي هو رفض الإنسان لله فيصبح الإنسان حياً وميتاً حياً جسدياً ولكنه ميتاً روحياً لأنه يفقد علاقته مع الله وبمعنى آخر تصبح حياة الإنسان بدون الله بلا معنى وهذا معنى الآية أجرة الخطيئة هي الموت. والخلاص هو أن يسوع المسيح أنقذنا من هذا الوضع وضع الخطيئة وجعل لنا إمكانية العودة والقبول لله رغم أننا خطأة والخطيئة هي رفض لله ومعنى رفض الله عند اليهود هو موت الإنسان لأن الإنسان إذا ابتعد عن مصدر حياته ومنبعها الذي هو الله يصبح ميتاً. فقضية الخلاص والدم تمت بطريقة عامة على عود الصليب لجميع البشر وفي الآن ذاته أعطت إمكانية القبول الشخصي لهذا الخلاص، وصار لكل شخص وبشكل فردي أن يقبل خلاصه على مستوى شخصي وفردي وتظل قضية الخلاص متوقفة على القرار الفردي للشخص دون تدخل من الله أو فرض منه لأن الله يمنح النعمة وينتظر الإنسان أن يتجاوب على هذه النعمة دون أن يفرض عليه شيء.
ب- لا يكفي أن يتجاوب الإنسان مع نعمة الله وينال نعمة الخلاص ولكن يجب عليه أن يشترك في الخلاص بمعنى يأخذ مسئولية الخلاص لا لنفسه فقط بل بالآخرين وهذه المسئولية إنما تمتزج بالألم وهذا ما اختبره القديس بولس في حياته إذ قال: "أفرح في آلامي لأجلكم وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هو الكنيسة" (كو 24:1). هل كانت آلام المسيح ناقصة كلا بل القديس بولس يشترك اشتراك فعلي وإيجابي في الخلاص لأنه لا يكتفي بالقبول فقط وإلا يصبح في وضع سلبي ولكنه يشترك واشتراكه فعلي وإيجابي وحي حتى إنه استطاع ينصح المؤمنين ويقول: "نحن نتألم معه لكي نمجد معه أو إذا تألمنا معه فلكي نمجد معه" (رو 17:. هل نحن نظن أن قبولنا الخلاص المجاني واستفادتنا من دم المسيح مجاناً لا يلقي علينا بأية مسئولية ويعلمنا السلبية فهذا شيء لا يطاق لأن دم المسيح إنما يغسلنا وينقينا نحن حتى نكمل مسيرة وطريق المسيح وعلى عاتقنا نحمل الصليب على مثال القديس بولس. إن للدم قوة تخلقنا من جديد وتدعنا أو تجعلنا فعالين ومشاركين في قضية موت وقيامة المسيح لأجل خلاص العالم هذا هو معنى قبول الخلاص ولا معنى آخر غير ذلك.
ج- إذا جاءت ساعة الموت وكان هناك نقص في الاتحاد بالله وحب الله أو بمعنى آخر لم تكن هناك مشاركة أو اشتراك فعلي أو اشتراكاً كافياً وإنما يعبر عن محبة ناقصة لله. النتيجة: لمثل هؤلاء الذين محبتهم ناقصة لله بالتالي اشتراكهم يكون ناقصاً في الخلاص لمثل هؤلاء: هم الذين يستفيدون من المطهر ، لأنه يزيد من محبتهم لله ويجعل محبة الإنسان لله كاملة وعن طريق الألم تكتمل المشاركة. ينفع الدم لمن يستفيد منه ومفعوله مطلق ولا ينفع شيئاً للذين لم يريدوا الاستفادة منه وبفضل الدم وجد المطهر لتكون آخر فرصة تتجسم فيها الرحمة بواسطة دم المسيح لمن كانت محبتهم ناقصة أو اشتراكهم في الخلاص ناقصاً.
الاعتراض الثاني هو: بهذه الطريقة الإنسان يعمل ما يريد من الخطايا بحجة وجود المطهر الذي يغفر في الدهر الآتي.
مناقشة الاعتراض: هذا الاعتراض يذكرني بالاعتراض الذي يقال الإنسان يعمل ما يعمل من خطايا ويحتمي في دم المسيح فهل هذا منطق مقبول؟ ولكن نجد الرد في آية للقديس بولس في رسالته إلى أهل رومية وهي: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تزخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" رو 4:2-5.
فالإنسان الذي يتعمد ارتكاب الخطيئة بحجة رحمة الله ولطفه التي تتجسم في قوة الدم والتي تتجسم في المطهر فهو مثل هذا الإنسان الذي يستهين بلطف ورحمة الله ويجلب على نفسه غضباً في يوم الدينونة لا رحمة.
الاعتراض الثالث هو: قول السيد له المجد للص اليمين "اليوم تكون معي في الفردوس" لماذا لم يقل له شيئاً عن المطهر؟
مناقشة الاعتراض: اللص اليمين آمن بالمسيح في ظروف وموقف المسيح كان فيه في قمة الضعف مما يظهر قوة إيمان هذا اللص ومحبته لله. لأن اللص لم يؤمن بالمسيح وهو يصنع المعجزات ويقيم الموتى ولكنه آمن بالمسيح المعلق على عود الصليب والذي يواجه الإذلال والألم. فلماذا لا يكون وضع اللص بهذه الحالة وضع استثناء له كما أن اللص كان هو أيضاً على عود الصليب يتألم فلماذا ألا تعتبر أن هذه الآلام هي مطهر بالنسبة له. يقال أن اللص طلب من المسيح أن يكون في الملكوت "أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك" ولكن يسوع قال له "اليوم تكون معي في الفردوس". وهذا يطرح سؤال لماذا قال المسيح الفردوس وليس الملكوت؟ رغم أن اللص طلب الملكوت فيقول رئيس طائفة ما أن الملكوت هو حيث مُلك الآب وابنه وحيث المشاهدة الطوباوية ولا يدخله أحد إلا بعد القيامة النهائية أو يوم القيامة ولكن الفردوس هو مكان انتظار الأبرار والقديسين وعلى ما يظهر من خلال هذا الكلام أن صاحب الفكرة رجل يعتقد بوجود مكان للانتظار في حين الكتاب المقدس كما رأينا لا يتحدث عن مكان للانتظار بل عن دينونة خاصة بعد الموت مباشرة وفي موقف اللص اليمين لا يظهر أنه اعتراض على المطهر لأنه إذا أردنا أن ندخله المطهر فنجد في تفسيره معنى اليوم والفردوس ما يؤيدنا ولا يعارضنا على الإطلاق وإذا أردنا أن ندخل السماء فنجد في موقف إيمان الرجل أو اللص بشخص المسيح وهو في أحرج الظروف وفي آلامه هو شخصياً وهو مصلوباً أيضاً وفي كلمة المسيح "تكون معي" ما يبرر دخوله السماء ففي موقف اللص اليمين لا يعارض ولا يؤيد لأننا إذا أردنا أن نستخدمه للمعارضة استطعنا وإذا أردنا أن نستخدمه للتأييد استخدمناه أيضاً فهو لا يحسب لا لهذا أو لذاك.
الاعتراض الرابع: إنه يضاد العدل الإلهي لأن افتراض وجوده ينسب لله تعالى الظلم لأنه بما أن الإنسان مركب من نفس وجسد متحدين فبموجب العدل الإلهي يعذب ويطهر كلاهما معاً في هذه النار المطهرية ولكنهم ينسبون هذا العذاب وهذا التطهير للنفس وحددها دون الجسد الذي تمتع بالذات والشهوات وهو أحوج إلى التطهير منه إلى النفس.
مناقشة الاعتراض: نحن لا نريد أن نناقش التهكم الموجود في الجزء الأول من الاعتراض ولكن نناقش الشيء المهم والمفيد في السؤال وهو الظلم في عقاب النفس وترك الجسد بدون عقاب المطهر رغم أنه هو السبب في هذا البلاء. ما معنى الجسد بدون نفس؟ يكون الجسد عبارة عن كتلة من اللحم التي لا حس فيها ولا دم وتدريجياً هذه الكتلة تصبح هيكل عظمي لأنها تتحلل وتتآكل فليس لها معنى بدون النفس كما أن النفس هي العنصر الذي فيه الحركة والانفعال داخل الإنسان وعلى هذا الأساس فالجسد لا يشتهي ولكن النفس هي التي تشتهي وليس الجسد لأن كما قلنا الجسد بدون النفس هو بلا حركة ولا شعور فالذي يخطئ ويفعل الخطيئة أو يشتهي ليس الجسد بل هي النفس ودور الجسد هو الوسيلة لتحقيق الرغبات أو الاشتهاء النابع من النفس وعندما يقول الكتاب المقدس هذه العبارة أو الآية " أن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد" (غلا 17:5) إنما المقصود بها ليس الجسد كجسد ولكن الجسد يعبر عن الإنسان ككل بعيداً عن الله، والروح يعبر عن الإنسان ككل قريباً من الله. كما أنه علاوة على ذلك كانت هذه الآية أو غيرها تعبر عن فلسفة يونانية، حيث تبرز الصراع داخل الإنسان على أساس مكوناته بما أنه مكون من جسد وروح. بالتالي ينسبون ويعطون للجسد أهمية وطاقة وقدرة ليست موجودة فيه، لأن النفس هي كل شيء ووراء كل شيء، والجسد إلا ما هو منفذ لأوامر تمليها عليه النفس. ولتظهر أهمية هذا الحوار تذكر شخصاً كان موجوداً معك بالنفس والجسد وتذكره أيضاً بعد خروج النفس فماذا تجد؟ هل تجد جسداً يسعى نحو اللذة والشهوة؟ هل تجد جسداً يتحرك كسابق عهده؟ والنفس هي صاحبة الشهوات والرغبات وهي التي يجب أن تحرر من أثقالها وتتطهر من أدناسها. فهل يوجد اعتراض على هذا الكلام المنطقي؟ فلا أظن أن هذا الكلام يستوجب اعتراضات أخرى.
الاعتراض الخامس: إذا كان المطهر يطهر النفوس فما هي حاجتنا إلى سر الاعتراف أو التناول؟ فيستطيع الإنسان أن يخطأ كما يشاء وهناك المطهر يطهره من كل الخطايا. إن المادة التي تستوجب الحكم فيها بالمطهر هي الخطايا العرضية والهفوات سواء المنسية في الاعتراف أو التي لم يعترف بها الإنسان والمادة الأخرى هي العقوبات الزمنية التي تفرضها الكنيسة أو التعويض الزمني عن الخطيئة وهذا ما يفرضه الكاهن بحكم سلطان المفاتيح داخل الاعتراف كناحية تربوية ولاهوتية. فلابد للمؤمن أو للتائب أو المعترف أن يشعر بأنه أخطأ وليس فقط الشعور بالخطأ ولكن أيضاً المحاولة الجادة في إصلاح الخطأ والتعويض عنه وهنا لا نقول بالشعور بالذنب وتجسيم الأمور ولكن لابد من الشعور بأنه خاطئ وأنه أخطأ في حق المسيح والآخر والذات وبتكليفه بعمل نوعاً ما شيء من التعويض أو المشاركة القليلة والبسيطة فهذا يدخل في إطار التأديب حتى لا يرجع للخطيئة مرة اخرى وإن سميناها فهذا أسلوب تربوي ليكون الإنسان اكثر شفافية وأكثر مشاركة وأكثر نضجاً وأكثر مسئولية. ويعد التقصير في هذا التعويض مادة تستوجب المطهر ولكننا لا ننكر أن التوبة الصادقة مع التعويض بإماتة والنابع من الاعتراف لا تستوجب المطهر كما أننا لا نرغب في إدخال النفوس للمطهر لأننا نعتقد بوجود المطهر ولكن لا يدخل المطهر إلا من يستوجب المطهر فقط ونقول أن داود النبي رغم ندامته وتوبته الحقيقية ونقل الله عنه خطيئته غير أنه كان لابد له من التعويض وهذا ما رأيناه في وجود خطيئة ووجود لها عقاب راجع امثلة داود النبي (2صم 10:12-13، 10:24). تغفر التوبة العقاب الأبدي وتزيله كما أنها لا تترك الإنسان بدون مسئولية أو مشاركة أو تعويض حتى تكون التوبة صادقة لابد من إثبات ذلك عملياً والتقصير في ذلك يستوجب المطهر.
استفسار وتساؤل وهو: ما هي عقوبة المطهر وموضوع التطهير مدة المطهر.
الاستفسار والمناقشة: هذا الاستفسار هو تكملة لموضوع المطهر .
ما هي عقوبة المطهر : بدون شك المبالغة في الحديث عن عقوبات المطهر وتصويرها جعل بعض الطوائف الأخرى ترفض المطهر لأنه يعتمد على التخيلات والتصورات ولكن الآن نشرح عقوبة المطهر في نظر الكنيسة الكاثوليكية.
عقوبة الخسران هي: تقوم بالحرمان المؤقت من الرؤية الطوباوية إلا أن هذه العقوبة تقترن دائماً بسبب الدينونة الخاصة التي سبقتها بالثقة الوطيدة في السعادة الأخيرة لأن الموتى في المطهر يعرفون أنهم أبناء الله وأصدقاؤه ويتوقون إلى الاتحاد به اتحاداً صميماً فيزيدهم شعورهم هذا ألماً بهذا الفراق المؤقت.
مدة المطهر: لن يدوم المطهر إلى ما بعد الدينونة العامة لأنه بعد أن يصدر الديان حكمه كما جاء في ( مت 24:25، 41) لن يكون غير السماء والجحيم. القديس أغسطينوس يقول: لا تحسبن للآلام المطهرة حساباً إلا قبل يوم الدين المخيف أما المدة المحددة للامتحان المطهر فلا سبيل إلى معرفتها لكل نفس بمفردها يدوم المطهر لكل نفس إلى أن تُطهر.
بعض النقاط للحوار مع الكنائس التي ترفض المطهر: -
- إن كلمة المطهر غير مستساغة أو غير مفهومة نفسياً وتربوياً، فلابد من إيجاد مصطلح أخر يعبر عن العقيدة، وخاصة أن هناك تشابه في المضمون بما يطلقون عليه الأرثوذكس الفردوس وما يطلقون عليه الكاثوليك بالمطهر. فلماذا لا تتم مناقشة هذه العقيدة في لجنة مشتركة من الكنائس المختلفة لتوضيح المفهوم والمضمون والمصطلح، وخاصة أنه سبق وتم الحوار فيما يخص الطبيعة والطبيعتين في شخص المسيح، وتم الاتفاق على مصلح وتعبير يُرضي جميع الأطراف مثل لاهوته لم يفارق ناسوته.
- يجب أن يتم التمييز في التعليم المسيحي بين ما يتصل بالعقيدة والإيمان وبين ما يأتي من التقاليد التقوية التي تتسرب وتؤخذ كأنها عقيدة.
- تتحدث بعض الكتب عن عقيدة المطهر بشكل يميل إلى الآساطير والخرافات واحياناً التصورات التقوية النابعة من نفوس تقية والتي تأخذ الإنسان بعيداً عن الفكر المسيحي الحقيقي، فهناك تصورات عن الآلام والعذابات المطهرية التي تخيف والتي تمتاز بالخيال.
- يجب علينا مراعاة العصر والزمان والمكان والثقافة لأنه لكل عصر وزمن ومكان طريقة وأسلوب ولغة للتعبير، لكي تكون مناسبة لعقلية وحياة مجموعة البشر في هذا العصر والزمان والمكان، وقد لا يتلائم هذا الاسلوب وهذه اللغة وهذا التعبير عضراً أو زماناً أو مكاناً آخر. ومن هنا نلاحظ التطور والتغيير والتجديد في الطريقة والأسلوب واللغة والمصطلحات المستخدمة، وهذا ما نلاحظه مثلاً في عقيدة المطهر. ولذا أري أن الحوار مهماً للتقارب والتفاهم بين الكنائس ولإيجاد لغة مشتركة للتعبير عن إيمانها وتعاليمها وعقائدها. فالإيمان واحد ولكن العقيدة هي التعبير عن الإيمان، ولذا فالإيمان واحد، ولكن التعبير عنه يتعدد ويتنوع، وعلينا أن لا نخلط بين الإيمان والعقيدة، [نهما لا يتطايقا/ فالإيمان أكبر بكثير من العقيدة.
- تصلى الكنيسة من أجل الراقدين وفق ما يؤكده الكتاب المقدس وما تثبته الممارسات الطقسية عبر القرون. هلى هذه الصلوات والقداسات واعطاء الحسنات على أرواح الموتى التماساً لرحمة الله عليهم أموراً مسنحسنة أو أنها غير واجبة ولا مقدسة وتصبح مثل هذه الأشياء في هذه الحالة لاستدرار الربح الخسيس وتجارة بالدين، وتلاعب بعقول ومشاعر الناس. لأن جوهر هذه الصلاة من أجل الراقدين موجود في صميم إيماننا في شركة القديسين. إن الأحياء والأموات هم معاً يكونون الجسد الواحد السري لسيدنا يسوع المسيح. إن الصلاة من أجل الراقدين، بخاصة في ذبيحة القداس التي تقدم من اجلهم، تلتمس من الله أن يمنحهم الراحة والعزاء وأن يرحمهم يوم الدينونة.
- إن مخلصنا يسوع المسيح، رأس هذا الجسد، قد افتدى بدمه جميع البشر من خطاياهم، فمنه – وحده – يأتى الخلاص، وكل ما تقوم به الكنيسة واعضاؤها من أجل الراقدين يستمد قيمته من العمل الخلاصي وحده الذي أتمه يسوع المسيح. - كل مغفرة للخطايا لاتنال إلا بذبيحة الفادي سيدنا يسوع المسيح الذي يحيا من خلال الكلمة والأسرار المقدسة في حياة الكنيسة لكي تتم المغفرة لكل اعضائها.
- بدون توبة لا مغفرة. ولا توجد أية امكانية للتوبة بعد الموت. وصلاة الكنيسة ليس لها مفعولها إلا للراقدين الذين قبل موتهم قد تابوا بصورة ما عن خطاياهم. والله وحده يعلم ويحكم على هذه التوبة – وكانوا قد انتموا إلى شركة القديسين.
- إن نفوس الراقدين تنتظر قيامة الأجساد والدينونة العامة التي يقيمها المسيح الأتي في مجده، ولن تكمل المشاهدة الطوباوية إلا بعد هذه الدينونة، كما سينال كل المخلصين مع قيامة الجسد مجدهم الكامل الذي يمنحهم ميراث الملكوت.
- بعد الموت، سينعم القديسون بالمشاهدة الطوباوية لله مثلث الأقانيم، بينما يحرم الذين رقدوا في غير توبة من هذه المشاهدة الطوباوية، فهذا الانعام المباشر يسمى بالدينونة الخاصة. إلا أنه ليس كالدينونة العامة ولكنه اكتشاف النفس لذاتها في النور الإلهي. وتسمى المشاهدة الطوباوية لله مثلث الأقانيم بالفردوس أو السماء أو ملكوت السماوات. وقد تظل سعادة القديسين غير مكتملة حتى تتحد النفس بالجسد القائم من الموت في ملء مجد جسد المسيح.
- عندما تشير الكنيسة إلى الآلام المطهرة لا تعنى مطلقاً انها عقاب الله للخاطئ، لأن الله "هكذا أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 16:3) "والله لا يناقض ذاته" (2تى 13:2). فان كان للتائب آلام بعد الموت، فمصدر ذلك هو التشوق لرؤية الله والنمو في حبه والاتحاد بألام المسيح الذي فتح لنا بصليبه باب القيامة والملكوت. إن تعليم الكنيسة عن المطهر يعنى أن النفس الذي رقد في التوبة ومحبة الله وعدالته لا يزال يحمل نتائج الخطايا المرتكبة. هذه النفس تطهر بعد الموت من كل هذه النتائج بواسطة الآلام المطهرة. إن الآلام المطهرة وصلوات الكنيسة من أجل الراقدين والغفرانات التي تمنحها الكنيسة، ذلك كله لا يمكن أن يعتبر أيفاء للدين لله لكي ينقل الموتى إلى الحياة الطوباوية السماوية. ان دين كل خاطئ في نظر الله قد تم أيفاؤه اماماً بذبيحة المسيح في آلام المسيح التى تحملها مرة واحدة على الصليب، كما أن صلوات الكنيسة والغفرانات ليست إلا توسلات ترفعها الكنيسة من أجل أعضائها في شركة القديسين.
- كانت نفوس الأموات تذهب إلى الجحيم، لأنها جميعاً أخطأت بخطيئة آدم، فأدركها الحكم بالموت الذي أدرك آدم "بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رومية 12:5). ويتحدث الآنبا غريغوريوس في هذا الصدد قائلاً: وهذا هو السر في حاجة البشرية إلى الفادي، لأنه بدونه لا يمكنهم أن يخلصوا من حكم الموت الأبدي، وبدونه لا يستطيعون أن يدخلوا ملكوت السموات. ولا أن يعاينوها (يو 3:3-5)...لهذا صلب المسيح ومات فداءاً عن المسبيين الذين سباهم الشيطان إلى مملكته ومضي بهم إلى الججيم، فأنطلق المسيح إلى ذات الجحيم لينفذ الخراف من فم الذئب "وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السفلى" (أف 9:4) ورد الذين اختطفهم إبليس، ونقلهم من الجحيم إلى الفردوس "سبي سبياً وأعطى الناس عطايا" (أف 8:4). أجل "نزل المسيح إلى الجحيم، كما جاء في القداس طبقاً للنصوص السابقة، وطبقاً لقول الرسول أيضاً "ذهب فكرز للأرواح التي في السجن" (1بط 19:3) وبهذا هتف روح النبوءة "بدم عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي فيه ماء. إرجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء" (زك 11:9-12) نعم، رجع الذين "نظروا المواعيد من بعيد، وصدقوها وحيوها" (عب 13:11) رجعوا إلى الحصن الذي يركض إليه الصديق ويتمنع (أم 10:18)، رجعوا إلى الفردوس الذي كان مغلقاً في وجه البشرية منذ سقطة آدم الأول (تك 24:3)، ولم يفتحه إلا المسيح بالصليب (لو 43:23) . ومن هنا يجب أن نستفسر عن عمل المسيح بعد نزوله إلى الجحيم وتحرير النفوس من هذا السجن، هل وضعهم المسيح في سجن أخر اسمه الفردوس؟ ماذا فعل المسيح بعد قيامته: ألم يفتح باب النعيم أمام البشرية بعد أن أُغلق بعد الخطيئة؟ يجب تحديد معنى الفردوس والحياة الأبدية؟ هل حمل المسيح النفوس من مكان إنتظار إلى مكان إنتظار آخر؟
خاتمة: المطهر عقيدة إيمانية حية وتناسب عدل الله وقداسته ورحمته ومقبولة لدى العقل البشري وفترة المطهر هي فترة الاستعداد لمقابلة العريس وهي فترة اشتياق أو اكتمال الاشتياق وفي المطهر يتم الوصول إلى الكمال عن طريق صلوات الآخرين وبعد التطهير في المطهر يستطيع الإنسان مقابلة المسيح وبعض اللاهوتيين يشبهون المطهر بالزواج المتأخر أو المؤخر حيث نجد العروس موجودة ولكن في حالة انتظار فانظر العذاب عذاب هذا الانتظار ومن اختبره. المطهر لا يجد له معنى بعيداً عن دم المسيح المسفوك على عود الصليب فالمطهر هو نابع من فاعلية دم المسيح وقوته التي تمتد حتى ما لا نهاية لأن دم المسيح قمة الرحمة والحب والعدل أيضاً. فليس المطهر تيار آخر يضارب في تيار دم المسيح كما يرغب البعض أو يظن لأن المطهر أساساً مبني على فاعلية هذا الدم وبدون قوة مفعول الدم لا يوجد مطهر.[b] [color=red][font='T
- ما بالك تنظر القذى الذي في عين أخيك، ولا تفطن للخشبة التي في عينك أم كيف تقول لأخيك أخرج القذى من عينك، وها إن الخشبة في عينك يا مرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تنظر كيف تخرج القذى من عين أخيك مت 3:37—5 يرمز القذى إلى العيوب الصغيرة، وترمز الخشبة إلى العيوب الكبيرة فكأن بالسيد المسيح يقول يا مرائي، كيف تريد أن تصلح أخاك من عيوبه الصغيرة وتغض الطرف عن عيوبك أنت الكبيرة فإن كنت محقاً حقاً في دعواك فاصلح نفسك أولاً من عيوبها الكبيرة ثم ترى بعد ذلك كيف تصلح أخاك من عيوبه الصغيرة . - ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون تعشرون النعنع والشبت والكمون وتركتم أنتم الناموس الحق والرحمة والإيمان كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا ذلك أيها القادة العميان الذين يُصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوءتان اختطافاً ودعارة" مت 23:23-28
ويظهر من خلال توبيخ المسيح للفريسين الذين كانوا يرتكبون ابشع الجرائم ويحفظون صغائر الوصايا وهنا واضح جداً التفاوت بين الخطايا من خلال هذا التوبيخ.
- قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه رقاً يكون مستوجب المجمع ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" مت 21:5-22 يعلمنا الرب أنه يوجد اختلاف بين الخطايا بطريقة المحاكمة عليها لقد ضرب السيد المسيح مثل يظهر لنا أن هناك تفاوت أيضاً وهذا المثل نجده عند القديس متى 23:18-35 عندما سامح السيد عبد كان له عنده عشرة آلاف وزنة ولكن هذا العبد لم يسامح عبد آخر كان له عنده مائة دينار وسمع السيد بخبر هذا العبد فاستدعاه وقال له : "فدعاه حينئذ سيده وقال له أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إليّ أفما كان ينبغي أنك أنت أيضاً ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا" مت 32:18-33 وهذا المثل يوضح التفاوت بين الخطايا من خلال المديونية الكبيرة والمديونية الصغيرة .
والقديس متى يذكر لنا الفارق بين الوصايا الكبيرة والوصايا الصغيرة فالوصايا الكبرى كالعدل والرحمة والإيمان ووصايا صغيرة مخالفاتها لا تحرم صاحبها من دخول الملكوت وإن حرمته من مجد عظيم. "الحق أقول لكم من خالف وصية من تلك الوصايا الصغار وعلم الناس أن يفعلوا مثله عُد صغيراً جداً في ملكوت السموات وأما الذي يعمل بها ويعلمها فذاك يُعد كبيراً في ملكوت السموات" مت 19:5. لا تحرم مخالفة الوصايا الصغرى من دخول ملكوت السموات ولكن مخالفاتها تجعله صغيراً بمعنى غير جدير بها لهذا يحرم من الدخول بصفة مؤقتة حتى يصبح على مستوى الدخول أو يكون جدير بهذا الملكوت والمطهر يساعده في ذلك لأنه لا يوجد في السماء صغير وكبير لأنه أحجام بشرية لا تطبق على أبناء السماء الذين في الروح وبالروح يسلكون بعيداً عن كل ما هو مادي . وأخيراً نجد عن القديس يوحنا هذه الآية التي تقول :- "من الخطيئة ما هو للموت .. ومن الخطيئة ما ليست للموت" 1يو 16:5-17.
هناك الخطيئة الثقيلة وهي المميتة أي التي أجرتها موت والتي لا مغفرة لها في المطهر أو وغيره ولكن هناك خطيئة ليست للموت هذه هي الهفوات والشوائب والتي تغفر في المطهر . ولا يوجد بعد ذلك وضوح في وجود التفاوت بين الخطايا.
المحور الثالث من بناء المطهر وهو حقيقة الدينونة الخاصة بعد الموت : هذا المحور الثالث في بناء المطهر أو عقيدة المطهر ولا يقل أهمية عن المحورين السابقين وهذه الحقيقية موجودة طقسياً كما رأينا وكما سنرى فنجد في رسالة العبرانيين الآتي :- "وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" عبر 27:9 ففي هذه الآية نجد أن الموت طبيعي لكل البشر ولكن بعد الموت مباشرة توجد دينونة للنفس المتنيحة ولنفس المتنيح. والكنيسة المقدسة تعتقد بوجود قديسين في السماء وتحتفل بأعيادهم وهذا يدل على أنهم وجدوا أبراراً صالحين بعد الموت وهذه البرارة لم تقرر إلا بعد حكم الدينونة وإلا فكيف دخلوا ملكوت السموات؟ على أي أساس تبني الكنيسة حكمها هذا على أن فلان قديس ويجب إكرامه في العبادة ؟ هل هو حكم الكنيسة من نفسها ؟ أم أنه وُجد هكذا قدام الله عن طريق الدينونة وهل نحن نقدس أشخاص الآن وبعد ذلك نجد أنهم ليسوا قديسون فماذا هذا التشويه فلابد إذاً من وجود دينونة خاصة للنفس وفيها يعلن الله أو السماء أو عن طريق القديس ذاته قداسته.
والكتاب المقدس يعلمنا أن أبراراً نالوا السعادة والأشرار ذهبوا إلى العذاب الأبدي قبل الدينونة العامة فلابد أن تكون هناك دينونة خاصة وهذا ما نجده في مثل الغني ولعازر والكل يعرف هذه القصة ولكن الشيء الذي يصفه الوحي أمام أعيننا حتى لا ننسى هذه العقيدة وهي الدينونة الخاصة هو : "فمات المسكين فحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ومات الغني أيضاً ودفن ورفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه فنادى وقال يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء فيبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب فقال إبراهيم يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا والآن وهو يتعزى وأنت تتعذب …فقال أسألك يا أبت أن ترسله إلى بيت أبي لأن لي خمسة أخوة حتى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا" لو 22:16-31.
في هذا النص نجد الآتي :- شخص غني عاش في غناه ومات وذهب إلى جهنم لأنه كان أنانياً ومحباً لذاته. ونجد أيضاً شخص فقير ورغم فقره ومعيشة فقره فهو حافظ على إيمانه وثقته بالله رغم العذاب والشقاء فذهب إلى السماء. نجد إبراهيم أبو كل المؤمنين شاهداً على كل ما يحدث أو يبدو أن الحوار كان مع اليهود للذين كانوا يفتخرون بأنهم أبناء إبراهيم فإبراهيم نفسه شاهداً عليهم في يوم الدينونة ونجد أيضاً أخوة الغني الذي يخاف عليهم أخوهم وهو في الجحيم أو جهنم فيريد أن يرسل لهم رسول من السماء حتى يسلكوا بما يرضي الله. ومن هنا نفهم أن هناك دينونة خاصة لكل إنسان بعد مماته فالغني في الجحيم والفقير في السماء والأخوة في الأرض عائشين في الدينونة الخاصة لكل إنسان بعد رحيله من هذا العالم والدينونة العامة بعد رحيل كل الناس وجميع الناس لهذا فهي عامة وفي الدينونة الخاصة يتقرر مصير كل إنسان فوراً ويجازا أو يدان حسب أعماله. والمثل الآخر : مت 45:24-51 مثل ولي الأمر الأمين فإذا جاء سيده وجده في حالة سكر الخطيئة وفي حالة نوم من الكسل والتراخي فسمع الكتاب يقول عنه: "فإن سيد ذلك العبد يأتي في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعلمها ويفصله ويجعل نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الأسنان " مت 51:24 فبمجيء سيده يوم سيده يوم الرب ويقصد به يوم الدينونة العامة ولكن هنا يقصد به يوم أن ينتقل الإنسان من هذا العالم فيكون حسابه مع الأبرار أو مع الأشرار كما يقول هذا : "طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل الحق أقول لكم أنه يقيمه على جميع أمواله" رو 46:24-47.
إن مصير الإنسان الصالح والشرير يتقرر بعد الموت فوراً دون ما حاجة إلى يوم الدينونة العامة معنى ذلك أن هناك دينونة خاصة غير الدينونة العامة تتبع الموت مباشرة . والمثل الثالث هو في مر 34:13-37 في هذا المثل يشبه يسوع نفسه بمجيء رب البيت الفجائي فيقول : "كمثل رجل سافر وترك بيته وأعطى عبيده حق التصرف كل واحد في عمله وأوصى البواب بالسهر فاسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت في المساء أم في منتصف الليل أم في الصباح لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهروا " مر 34:13-37. الهجعات ترمز إلى مراحل عمر الإنسان المختلفة من طفولة، صبا، شباب، كهولة. كما أنها ترمز في الآن ذاته عن الأزمنة المختلفة في الفجر أو الصباح أو المساء أو في منتصف الليل ومجيء المسيح هذا بطريقة شخصية مجيء يطلب الحساب لأنه يقول اعطني حساب وكالتك كما جاء في لو2:16 وأما أن تكون أمين في حياتك لتنال الإكليل وتعطي أو ترفع المسؤولية أكبر. "لأنه الأمين في القليل أمين أيضاً في الكثير" وإما أن تكون غير أمين وتصبح حقير ترفع وتجرد من كل مسؤولية وتلقى في جهنم. "لأنه الغير أمين في القليل غير أمين في الكثير" وهذه الأمانة أو عدم الأمانة تحدد بالدينونة والحساب بطريقة شخصية وفي هذا المثل يدعو السيد المسيح الجميع للسهر والاستعداد لأنه غير معروف من الذي يأتي عليه الدور أو بمعنى أو بمعنى آخر يطلب من الجميع السهر والاستعداد حتى لا تكون هناك وصرير الأسنان .
وقد كلت رغبة القديس بولس الرسول الحارَّة وشوق قلبه في مشاهدة يسوع في السماء فنسمعه يقول : "فإني محصور من الاثنين لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً ولكن أن أبقى في الجسد الذي من أجلكم" روفيل 23:1-24. فالقديس بولس بهذا المعنى محصور بين رغبتين الرغبة الأولى هي السعادة الأبدية والرغبة الثانية هي أن يبقى في الجسد لأجل منفعة الكنيسة فرغبته الأولى هي التمتع في السماء بمجد الله وهذا أفضل من البقاء في الجسد والرغبة الثانية هي لأجل منفعة المؤمنين الروحية. وهذا يعبر عن أن نفوس الأبرار البريئة من كل دنس بعد خروجها من الجسد تفوز بالسعادة الأبدية وتتحد بالمسيح ولهذا أو لذا رغب القديس بولس في الموت ليتمتع بيسوع فإذا كانت لدى القديس بولس فكرة إنه لا يتمتع برؤية يسوع مباشرة بعد الموت في الدينونة العامة ما كانت تصبح فكرة الموت رغبة لديه ورغبة قوية لأجل التمتع بشخص المسيح وهذا ما تعرفه فنحن نصل إليه من خلال الدينونة الخاصة . فهل كان يعرف القديس بولس أن بعد انتقاله من هذا العالم لم يدخل الملكوت ليتمتع بالمسيح لأنه لم يحن الوقت لهذا؟ ولكن كانت معرفة القديس بولس معرفة يقينية في شخص يسوع المسيح بأنه في حالة انتقاله من هذا العالم إنما ينتقل للمجد وللسماء ولهذا عبر عنها بالشوق والرغبة الكيانية ويقول سفر الرؤيا هذه الآية عن الأبرار : "وسمعت صوتاً من السماء قائلاًَ لي أكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم" رؤ 13:14 الشيء المؤثر والمشجع بالفعل هو في هذه الآية هي كلمة "الآن" بعد الموت المؤمنين يستريحوا من أتعابهم وأوجاعهم ويشتركون مع أخواتهم الذين سبقوهم في التمجيد والتسبيح أمام الجالس على العرش .
كل هذه الآيات وهذه الأمثلة إنما تخرج منها بفكرة واحدة ومنظمة وهي حقيقة الدينونة الخاصة للإنسان المتنيح مباشرة بعد موته ويدان حسب أعماله ويحدد مصيره بطريقة شخصية أو فردية إما جهنم إما السماء إما المطهر وكما قال القديس توما الأكوينى : الإنسان يحيا حياته بطريقتين :- الأولى شخصية فردية والأخرى جماعية أمام الناس والمجتمع وهكذا تكون دينونته فردية وجماعية.
المطهر والعقل :
- لا نظن أن عقيدة المطهر تخالف العقل البشري على الإطلاق وإنما هي في قمة العقلانية وإلا ما كان توصل إليها أو استنتجها العقل البشري وعبر عنها وعقيدة المطهر هي قراءة كتابية بطريقة عقلية. الفكرة هي :- في الكتاب المقدس نجد هذه الآية عن السماء. "ولن يدخلها شيء دنس ولا ما يصنع رجساً وكذباً إلا المكتوبين في سفر حياة الخروف" رؤ27:21. السماء لا يدخلها على الإطلاق شيء دنس أو رجس أو به أي شائبة وهنا يأتي السؤال لماذا؟ هذا السؤال بسيط جداً وهو لأن الله قدوس ولذلك يدعو الكتاب المقدس المؤمنين قائلاً : "كونوا قديسين كما أن أباكم السماوي هو قدوس" 1 بط 16:1 "أو كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل هو" فعدل الله لا يقتضي أن لا يدخل السماء إلا النفوس النقية كل النقاء والحال كما نقول في أوشية الراقدين في الطقس القبطي. "فإنه ليس أحد طاهراً من دنس ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض" وكما يقول سفر الأمثال "الصديق يسقط سبع مرات" أم 16:24 فهل معنى هذا لا يدخل أحد السماء ؟ وهل معنى هذا يوجد تساوي بين الإنسان الذي رفض الإيمان وبين الإنسان المؤمن الذي لا يخلو من هفوات أو شوائب ؟ ماذا نقول ؟ أهذا عدل !! فالمنطق يقول :-
أ – الإنسان البار القديس له الحق في الدخول والتمتع بالمشاهدة الطوباوية لله وهذا مثل القديس بولس الذي اشتهى أن ينطلق فلا غبار على مثل هذا البار والقديس فله هذه المكافأة.
ب. الإنسان الشرير والذي رفض نعمة الإيمان والتجاوب مع الروح القدس فلا مفر له من الجحيم أو جهنم حيث الندم وصرير الأسنان.
ج. الإنسان المؤمن الذي لا يخلو من شوائب أو هفوات أو بعض الدنس هل يدخل السماء مع الإنسان القديس فهذا لا يعقل فهل يدخل مثل هذا الإنسان إلى جهنم مع الأشرار والخطاة فهذا أيضاً لا يطاق ولا يعقل لما يحويه من ظلم… فماذا يكون المصير لهؤلاء؟ هل نقف عند هؤلاء ونتركهم دون أن نحدد لهم لا مكافأة أو ربح أو خسران وعتاب. ما مصير مثل هؤلاء؟
د. المنطق هنا يقول بوجود حالة ثالثة يطلق عليها المطهر فيها تتطهر النفس البشرية من كل الأدناس والشوائب حتى يصبح عليها الملابس اللائقة بالوليمة والعرس والاحتفال ومع المنتصرين في السماء. ويقول الأنبا غريغوريوس: "وليست الصلوات والقداسات وشتى القرابين والصدقات التى تقدم الآن عن أرواح الموتى تكفيراً ولا تطهيراً، وإنما هي مجموعها ابتهالات إلى الله وإستغاثات إلى استحقاقاته الخلاصية ليتفضل فيرحم الميت ويحكم له بالبراءة والمغفرة في يوم الدينونة العام. وكأنها جهود يبذلها الأحياء عن موتاهم طالما أن القاضى لم ينطق بالحكم بعد. وليست الصلوات والقرابين بملزمة لله، وإنما هي محاولات يتوقف نجاحها على موافقتها لإرادة الله، وإن كان لنا وعد من الوحى أنها نافعة إذا كانت خطايا المتوفى غير مميتة (راجع 1يو 16:5). ومن الاستهتار بقداسة الله وعدالته، أن نظن أن الخطايا غير المميتة لا تستحق من الأحياء كل هذه العناية، أو أن الله لا يكترث للأخطاء غير المميتة، ونحن نعلم "أنه بدون القداسة لن يرى أحد الرب" "وأن السموات ليست بطاهرة أمام عينيه وإلى الملائكة ينسب حماقة، وأن السماء لن يدخلها شيء دنس، ولا ما يصنع رجساً وكذباً". ولما كنا جميعاً غير كاملين كما أن أبانا الذي في السموات هو كامل، فلابد لنا من أن نطلب المغفرة للموتى، وإلا فلن يستحقوا الحياة السعيدة حتى ولو كانوا أبراراً وصديقين " لأنه ليس أحد طاهراً من دنس الخطيئة ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض". وفي هذا الاسترحام ما فيه من الاحساس العميق بقداسة الله التى لا تحتمل أن ترى بين سكان السماء شراً أو شبه شر، وبعدالة الله التى تقضي على الإنسان جسبما يكون عمله، فضلاً عما في الاسترحام أيضاً من فضائل المحبة لأخوتنا، والاهتمام بمصيرهم، بل وفيه اعتراف ضمنى وإيمان وثيق بالحياة الأخرى، وبالثواب والعقاب، وإلا فلا معنى للصلاة عن الموتى وطلب المغفرة؟!! ونحن في غنى عن البيان بأن قول الكنيسة "وليس أحداً طاهراً من دنس الخطية ولو كانت حياته يوماً واحداً على الآرض" إشارة إلى الخطيئة الأصلية التي يولد الطفل وارثاً لحالة آدم فيها، وأنه لا سبيل إلى غفرانها إلا بموته مع المسيح في المعمودية المقدسة، التى أسسها الرب لينال بها المؤمنون استحقاقات الفداء بفعالية الروح القدس الذي يكسب المياه الطبيعية هذه الخاصية الروحية. ومن هذا كله نرى أن التطهير بدم المسيح وحده، وأن الصلوات عن الراقدين لا قوة لها في ذاتها إلا من حيث استنادها إلى دم المسيح وعمل المسيح"
قصة قصيرة للتوضيح: كان من عادة أحد الملوك أن يصنع وليمة سنوية وكانت هذه الوليمة تضم نوعين من البشر النوع الأول من الأمراء أو الوزراء بالملابس الرسمية واللائقة بالحضور أمام الملك والوليمة والنوع الثاني من الفقراء والبؤساء بملابسهم الرثة والغير نظيفة فحدث أن أحد الوزراء وجد بعض البقع السوداء على ملابسه البيضاء فحزن حزناً شديداً لأنه لا يستطيع المثول أمام الملك لأن الملابس التي يرتديها لا تليق بالحضرة الملكية ففكر كثيراً وأخيراً هداه الفكر بأن يجلس مع الفقراء. هذه القصة قد تبدو خيالية أو واقعية ولكن نجد فيها ما يقبله عقلياً ومنطقياً:
أ- الوزير رفض المثول أمام الملك لأن ملابسه بها بعض البقع السوداء وهذا ملك زمني أو أرضي فهل يليق بالله أو بملك الملوك أن نقف أمامه ونحن نرتدي ثياب بها بقع سوداء هل فقدنا هذا التمييز؟
ب- الوليمة كانت في دار زمنية وعلى يد ملك أرضي لهذا كان فيها نوعان من البشر ولكن هذا لم ولن يحدث في السماء مملكة الله أو الثالوث أن يكون الأبرار والأشرار جنباً إلى جنب مما يدعنا نقول أنه لا فرصة لمشاهدة الملك أو حضور الوليمة بدون الملابس الرسمية واللائقة بهذا المكان وصاحبه وهي الملابس البيضاء الناصعة ولكن رحمة الله حتى لا تحرمنا من الوليمة السماوية أرادت أن تمنحنا فرصة أخرى عن طريق المطهر لنطهر من الأدناس والشوائب ونطهر ملابسنا من البقع السوداء حتى نصبح أو نكون في المستوى اللائق بأبناء الملكوت أليس هذا منطقياً وعقلياً مقبول من حيث وجود المطهر كمكان ومن حيث تلاقي الرحمة والعدل في خدمة الإنسان الغالي والمشترى بدم ثمين وليس رخيص. تابع المطهر عقلياً لأنه موجود عند العلماء وسائر الأديان: الفكر البشري نابع من العقل والعقل ومصدر العقل الأساسي هو الله، وتستطيع الثقافة والبيئة تشكيل العقل بالطريقة المنتشرة ولكن العقل يظل محتفظاً بشيء ثابت يرجعه إلى المصدر كما أن العقل البشري يستطيع الوصول إلى بعض الأشياء الأساسية والتي يظن البعض أنها غير ممكنة بدون وحي وذلك لأن الله يستطيع أن يوحي للعقل بأشياء يستوعبها ويدركها في حدوده وهذه قضية ظاهرة في رسالة أهل رومية: "إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهر لهم لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركه بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر" رو 19:1-20. هذا الكلام قاله القديس بولس عن الأمم والوثنيين وحتى نفهم نحن أيضاً بأن تصرفات وأفكار الشعوب الوثنية والأمية أو الغير مسيحية عامة قد تحمل وحياً من الله عن طريق العقل وحسب تفكيرهم وهذا ما سنحاول إظهاره أيضاً من خلال شرح عقيدة المطهر عن الشعوب والأمم وفي الحضارات والأديان الغير مسيحية أو بمعنى آخر هو فكرة المطهر في التراث الإنساني. المطهر في فكر الشعوب والحضارات المختلفة لا نريد أن نثبت عقيدة المطهر من خلال هذه حضارات الشعوب وثقافتها، ولم نلتجئ إلى هذه الحضارات والثقافات بسبب عجزنا وفشلنا في إقناع البعض، ولذا ألتجأنا إليها. ولا يعني أننا نقبل كل ما في هذه الحضارات والثقافات من أراء، ولكنن هذا لا يمنع احترامنا وتقديرنا لكل فكر إنساني، ولكل حضارة أو ثقافة بشرية.ولا يظن البعض بأنني ألتجأ إلى هذه الحضارات والثقافات لإثبات العقيدة، ولكننى لكي أقول كلمة بأن جميع الحضارات والشعوب لديها فكراً ما يعبر عن المطهر بطريقة أو بأخري. وهذا يعبر عن أن الفكر البشري الذي يستمد بعض الأنوار من العقل المطلق الذي هو الله.
ولنأخذ مثلاً على ذلك: فالحضارة الفرعونية تتحدث عن عقيدة الثالوث، فهل معنى هذا أن المسيحية أخذت عقيدة الثالوث من الفراعنة؟ بل نقول ولا يوجد تشابه بين العقيدتين، ولكن فكرة الثالوث الموجودة عند الفراعنة تكشف لنا بأن الحضارة البشرية يمكن أن تكون بمثابة الاعداد لما جاء به الوحي المقدس. حيث يُعد الله البشرية لفهم عقيدة الثالوث، عن طريق الأنوار البسيطة التي يستطيع العقل البشري أن يفهمها ويعبر عنها. المطهر عند القدماء المصريين: نجد فكرة الميزان لأعمال البشر عند الموت ماثلة في ديانة المصريين القدماء فعندهم أوزوريس الذي يزن أعمال الناس ويدفع كلاً منهم إلى الجزاء العادل. عند الفرس: في ديانة الفرس جسر الحساب أو جسر المزق الذي عبر هاوية الجحيم بين الأرض والسماء ويتسع للنفوس الصالحة ويضيق للنفوس الشريرة حتى يصبح أدق من الشعرة وأحدّ من الموس وتعذب به الأرواح من مقامات متعددة حتى تتطهر من آثامها وتصبح جديرة بالصعود إلى السماء. وعند اليونان: نجد فيثاغورس 6 ق.م يقول بتطهر الروح في أثناء الحياة بالدراسة والتأمل. أفلاطون 4 ق.م: في محاورته يقول بضرورة العقاب للتخلص من الشر. الرواقيون 3 ق.م: مذهبهم ينادي بضرورة تطهر النفس من الخطايا بعد الموت حتى تنال السعادة في الحياة الأخرى. والملحوظة هنا هي فكرة التطهير بعد الموت ولأجل السعادة الأبدية وكأن الرواقيون يؤمنون بالفعل بعقيدة المطهر ونادوا بها في القرن 3 ق.م. القديس أغوسطينوس 5 ق.م: في مدينة الله يقول أن المطهر امتداد للتطهير الذي ينال الروح في أثناء الحياة وبأن التطهر يحدث في أثناء الحياة أو بعدها أو في كلتا المرحلتين وبأنه يتم قبل يوم البعث (الدينونة- القيامة العامة). القديس سيداريوس الأرليس 6ب.م: ميز بين الكبائر التي تؤدي بالروح إلى الجحيم وبين الصغائر التي يمكن للإنسان أن يتطهر منها بأداء الأعمال الصالحة في الحياة والدنيا.
خلاصة: هذه أقوال وأفكار وخواطر وممارسات في داخل التراث الإنساني وسوف أتركه دون تعليق أكثر من هذا لأنه يعبر عما نريد بدون تعليق.
الاعتراضات حول عقيدة المطهر والتساؤلات:
الاعتراض الأول هو: دم المسيح طهرنا من كل خطية وباستحقاقات دم المسيح أعطانا عربون وتذكرة سماوية. فلماذا المطهر؟
مناقشة الاعتراض: هذا الاعتراض يظهر المعنى العميق لعقيدة المطهر وهو ربط المطهر بسر موت وقيامة المسيح وهنا تبرز ثلاث حقائق وهي:
أ- المسيح خلصنا من الخطيئة والموت: والموت هنا لا يقصد به الموت الجسدي ولكن الموت الأدبي والروحي وبموت المسيح استحق لنا الحياة الأبدية لأنه إن لم يمت المسيح لكنا ذهبنا إلى الجحيم ولكن الفضل لموت وقيامة المسيح لينقذنا نحن من الموت (الموت الأدبي أو الروحي) الذي هو رفض الإنسان لله فيصبح الإنسان حياً وميتاً حياً جسدياً ولكنه ميتاً روحياً لأنه يفقد علاقته مع الله وبمعنى آخر تصبح حياة الإنسان بدون الله بلا معنى وهذا معنى الآية أجرة الخطيئة هي الموت. والخلاص هو أن يسوع المسيح أنقذنا من هذا الوضع وضع الخطيئة وجعل لنا إمكانية العودة والقبول لله رغم أننا خطأة والخطيئة هي رفض لله ومعنى رفض الله عند اليهود هو موت الإنسان لأن الإنسان إذا ابتعد عن مصدر حياته ومنبعها الذي هو الله يصبح ميتاً. فقضية الخلاص والدم تمت بطريقة عامة على عود الصليب لجميع البشر وفي الآن ذاته أعطت إمكانية القبول الشخصي لهذا الخلاص، وصار لكل شخص وبشكل فردي أن يقبل خلاصه على مستوى شخصي وفردي وتظل قضية الخلاص متوقفة على القرار الفردي للشخص دون تدخل من الله أو فرض منه لأن الله يمنح النعمة وينتظر الإنسان أن يتجاوب على هذه النعمة دون أن يفرض عليه شيء.
ب- لا يكفي أن يتجاوب الإنسان مع نعمة الله وينال نعمة الخلاص ولكن يجب عليه أن يشترك في الخلاص بمعنى يأخذ مسئولية الخلاص لا لنفسه فقط بل بالآخرين وهذه المسئولية إنما تمتزج بالألم وهذا ما اختبره القديس بولس في حياته إذ قال: "أفرح في آلامي لأجلكم وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هو الكنيسة" (كو 24:1). هل كانت آلام المسيح ناقصة كلا بل القديس بولس يشترك اشتراك فعلي وإيجابي في الخلاص لأنه لا يكتفي بالقبول فقط وإلا يصبح في وضع سلبي ولكنه يشترك واشتراكه فعلي وإيجابي وحي حتى إنه استطاع ينصح المؤمنين ويقول: "نحن نتألم معه لكي نمجد معه أو إذا تألمنا معه فلكي نمجد معه" (رو 17:. هل نحن نظن أن قبولنا الخلاص المجاني واستفادتنا من دم المسيح مجاناً لا يلقي علينا بأية مسئولية ويعلمنا السلبية فهذا شيء لا يطاق لأن دم المسيح إنما يغسلنا وينقينا نحن حتى نكمل مسيرة وطريق المسيح وعلى عاتقنا نحمل الصليب على مثال القديس بولس. إن للدم قوة تخلقنا من جديد وتدعنا أو تجعلنا فعالين ومشاركين في قضية موت وقيامة المسيح لأجل خلاص العالم هذا هو معنى قبول الخلاص ولا معنى آخر غير ذلك.
ج- إذا جاءت ساعة الموت وكان هناك نقص في الاتحاد بالله وحب الله أو بمعنى آخر لم تكن هناك مشاركة أو اشتراك فعلي أو اشتراكاً كافياً وإنما يعبر عن محبة ناقصة لله. النتيجة: لمثل هؤلاء الذين محبتهم ناقصة لله بالتالي اشتراكهم يكون ناقصاً في الخلاص لمثل هؤلاء: هم الذين يستفيدون من المطهر ، لأنه يزيد من محبتهم لله ويجعل محبة الإنسان لله كاملة وعن طريق الألم تكتمل المشاركة. ينفع الدم لمن يستفيد منه ومفعوله مطلق ولا ينفع شيئاً للذين لم يريدوا الاستفادة منه وبفضل الدم وجد المطهر لتكون آخر فرصة تتجسم فيها الرحمة بواسطة دم المسيح لمن كانت محبتهم ناقصة أو اشتراكهم في الخلاص ناقصاً.
الاعتراض الثاني هو: بهذه الطريقة الإنسان يعمل ما يريد من الخطايا بحجة وجود المطهر الذي يغفر في الدهر الآتي.
مناقشة الاعتراض: هذا الاعتراض يذكرني بالاعتراض الذي يقال الإنسان يعمل ما يعمل من خطايا ويحتمي في دم المسيح فهل هذا منطق مقبول؟ ولكن نجد الرد في آية للقديس بولس في رسالته إلى أهل رومية وهي: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تزخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" رو 4:2-5.
فالإنسان الذي يتعمد ارتكاب الخطيئة بحجة رحمة الله ولطفه التي تتجسم في قوة الدم والتي تتجسم في المطهر فهو مثل هذا الإنسان الذي يستهين بلطف ورحمة الله ويجلب على نفسه غضباً في يوم الدينونة لا رحمة.
الاعتراض الثالث هو: قول السيد له المجد للص اليمين "اليوم تكون معي في الفردوس" لماذا لم يقل له شيئاً عن المطهر؟
مناقشة الاعتراض: اللص اليمين آمن بالمسيح في ظروف وموقف المسيح كان فيه في قمة الضعف مما يظهر قوة إيمان هذا اللص ومحبته لله. لأن اللص لم يؤمن بالمسيح وهو يصنع المعجزات ويقيم الموتى ولكنه آمن بالمسيح المعلق على عود الصليب والذي يواجه الإذلال والألم. فلماذا لا يكون وضع اللص بهذه الحالة وضع استثناء له كما أن اللص كان هو أيضاً على عود الصليب يتألم فلماذا ألا تعتبر أن هذه الآلام هي مطهر بالنسبة له. يقال أن اللص طلب من المسيح أن يكون في الملكوت "أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك" ولكن يسوع قال له "اليوم تكون معي في الفردوس". وهذا يطرح سؤال لماذا قال المسيح الفردوس وليس الملكوت؟ رغم أن اللص طلب الملكوت فيقول رئيس طائفة ما أن الملكوت هو حيث مُلك الآب وابنه وحيث المشاهدة الطوباوية ولا يدخله أحد إلا بعد القيامة النهائية أو يوم القيامة ولكن الفردوس هو مكان انتظار الأبرار والقديسين وعلى ما يظهر من خلال هذا الكلام أن صاحب الفكرة رجل يعتقد بوجود مكان للانتظار في حين الكتاب المقدس كما رأينا لا يتحدث عن مكان للانتظار بل عن دينونة خاصة بعد الموت مباشرة وفي موقف اللص اليمين لا يظهر أنه اعتراض على المطهر لأنه إذا أردنا أن ندخله المطهر فنجد في تفسيره معنى اليوم والفردوس ما يؤيدنا ولا يعارضنا على الإطلاق وإذا أردنا أن ندخل السماء فنجد في موقف إيمان الرجل أو اللص بشخص المسيح وهو في أحرج الظروف وفي آلامه هو شخصياً وهو مصلوباً أيضاً وفي كلمة المسيح "تكون معي" ما يبرر دخوله السماء ففي موقف اللص اليمين لا يعارض ولا يؤيد لأننا إذا أردنا أن نستخدمه للمعارضة استطعنا وإذا أردنا أن نستخدمه للتأييد استخدمناه أيضاً فهو لا يحسب لا لهذا أو لذاك.
الاعتراض الرابع: إنه يضاد العدل الإلهي لأن افتراض وجوده ينسب لله تعالى الظلم لأنه بما أن الإنسان مركب من نفس وجسد متحدين فبموجب العدل الإلهي يعذب ويطهر كلاهما معاً في هذه النار المطهرية ولكنهم ينسبون هذا العذاب وهذا التطهير للنفس وحددها دون الجسد الذي تمتع بالذات والشهوات وهو أحوج إلى التطهير منه إلى النفس.
مناقشة الاعتراض: نحن لا نريد أن نناقش التهكم الموجود في الجزء الأول من الاعتراض ولكن نناقش الشيء المهم والمفيد في السؤال وهو الظلم في عقاب النفس وترك الجسد بدون عقاب المطهر رغم أنه هو السبب في هذا البلاء. ما معنى الجسد بدون نفس؟ يكون الجسد عبارة عن كتلة من اللحم التي لا حس فيها ولا دم وتدريجياً هذه الكتلة تصبح هيكل عظمي لأنها تتحلل وتتآكل فليس لها معنى بدون النفس كما أن النفس هي العنصر الذي فيه الحركة والانفعال داخل الإنسان وعلى هذا الأساس فالجسد لا يشتهي ولكن النفس هي التي تشتهي وليس الجسد لأن كما قلنا الجسد بدون النفس هو بلا حركة ولا شعور فالذي يخطئ ويفعل الخطيئة أو يشتهي ليس الجسد بل هي النفس ودور الجسد هو الوسيلة لتحقيق الرغبات أو الاشتهاء النابع من النفس وعندما يقول الكتاب المقدس هذه العبارة أو الآية " أن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد" (غلا 17:5) إنما المقصود بها ليس الجسد كجسد ولكن الجسد يعبر عن الإنسان ككل بعيداً عن الله، والروح يعبر عن الإنسان ككل قريباً من الله. كما أنه علاوة على ذلك كانت هذه الآية أو غيرها تعبر عن فلسفة يونانية، حيث تبرز الصراع داخل الإنسان على أساس مكوناته بما أنه مكون من جسد وروح. بالتالي ينسبون ويعطون للجسد أهمية وطاقة وقدرة ليست موجودة فيه، لأن النفس هي كل شيء ووراء كل شيء، والجسد إلا ما هو منفذ لأوامر تمليها عليه النفس. ولتظهر أهمية هذا الحوار تذكر شخصاً كان موجوداً معك بالنفس والجسد وتذكره أيضاً بعد خروج النفس فماذا تجد؟ هل تجد جسداً يسعى نحو اللذة والشهوة؟ هل تجد جسداً يتحرك كسابق عهده؟ والنفس هي صاحبة الشهوات والرغبات وهي التي يجب أن تحرر من أثقالها وتتطهر من أدناسها. فهل يوجد اعتراض على هذا الكلام المنطقي؟ فلا أظن أن هذا الكلام يستوجب اعتراضات أخرى.
الاعتراض الخامس: إذا كان المطهر يطهر النفوس فما هي حاجتنا إلى سر الاعتراف أو التناول؟ فيستطيع الإنسان أن يخطأ كما يشاء وهناك المطهر يطهره من كل الخطايا. إن المادة التي تستوجب الحكم فيها بالمطهر هي الخطايا العرضية والهفوات سواء المنسية في الاعتراف أو التي لم يعترف بها الإنسان والمادة الأخرى هي العقوبات الزمنية التي تفرضها الكنيسة أو التعويض الزمني عن الخطيئة وهذا ما يفرضه الكاهن بحكم سلطان المفاتيح داخل الاعتراف كناحية تربوية ولاهوتية. فلابد للمؤمن أو للتائب أو المعترف أن يشعر بأنه أخطأ وليس فقط الشعور بالخطأ ولكن أيضاً المحاولة الجادة في إصلاح الخطأ والتعويض عنه وهنا لا نقول بالشعور بالذنب وتجسيم الأمور ولكن لابد من الشعور بأنه خاطئ وأنه أخطأ في حق المسيح والآخر والذات وبتكليفه بعمل نوعاً ما شيء من التعويض أو المشاركة القليلة والبسيطة فهذا يدخل في إطار التأديب حتى لا يرجع للخطيئة مرة اخرى وإن سميناها فهذا أسلوب تربوي ليكون الإنسان اكثر شفافية وأكثر مشاركة وأكثر نضجاً وأكثر مسئولية. ويعد التقصير في هذا التعويض مادة تستوجب المطهر ولكننا لا ننكر أن التوبة الصادقة مع التعويض بإماتة والنابع من الاعتراف لا تستوجب المطهر كما أننا لا نرغب في إدخال النفوس للمطهر لأننا نعتقد بوجود المطهر ولكن لا يدخل المطهر إلا من يستوجب المطهر فقط ونقول أن داود النبي رغم ندامته وتوبته الحقيقية ونقل الله عنه خطيئته غير أنه كان لابد له من التعويض وهذا ما رأيناه في وجود خطيئة ووجود لها عقاب راجع امثلة داود النبي (2صم 10:12-13، 10:24). تغفر التوبة العقاب الأبدي وتزيله كما أنها لا تترك الإنسان بدون مسئولية أو مشاركة أو تعويض حتى تكون التوبة صادقة لابد من إثبات ذلك عملياً والتقصير في ذلك يستوجب المطهر.
استفسار وتساؤل وهو: ما هي عقوبة المطهر وموضوع التطهير مدة المطهر.
الاستفسار والمناقشة: هذا الاستفسار هو تكملة لموضوع المطهر .
ما هي عقوبة المطهر : بدون شك المبالغة في الحديث عن عقوبات المطهر وتصويرها جعل بعض الطوائف الأخرى ترفض المطهر لأنه يعتمد على التخيلات والتصورات ولكن الآن نشرح عقوبة المطهر في نظر الكنيسة الكاثوليكية.
عقوبة الخسران هي: تقوم بالحرمان المؤقت من الرؤية الطوباوية إلا أن هذه العقوبة تقترن دائماً بسبب الدينونة الخاصة التي سبقتها بالثقة الوطيدة في السعادة الأخيرة لأن الموتى في المطهر يعرفون أنهم أبناء الله وأصدقاؤه ويتوقون إلى الاتحاد به اتحاداً صميماً فيزيدهم شعورهم هذا ألماً بهذا الفراق المؤقت.
مدة المطهر: لن يدوم المطهر إلى ما بعد الدينونة العامة لأنه بعد أن يصدر الديان حكمه كما جاء في ( مت 24:25، 41) لن يكون غير السماء والجحيم. القديس أغسطينوس يقول: لا تحسبن للآلام المطهرة حساباً إلا قبل يوم الدين المخيف أما المدة المحددة للامتحان المطهر فلا سبيل إلى معرفتها لكل نفس بمفردها يدوم المطهر لكل نفس إلى أن تُطهر.
بعض النقاط للحوار مع الكنائس التي ترفض المطهر: -
- إن كلمة المطهر غير مستساغة أو غير مفهومة نفسياً وتربوياً، فلابد من إيجاد مصطلح أخر يعبر عن العقيدة، وخاصة أن هناك تشابه في المضمون بما يطلقون عليه الأرثوذكس الفردوس وما يطلقون عليه الكاثوليك بالمطهر. فلماذا لا تتم مناقشة هذه العقيدة في لجنة مشتركة من الكنائس المختلفة لتوضيح المفهوم والمضمون والمصطلح، وخاصة أنه سبق وتم الحوار فيما يخص الطبيعة والطبيعتين في شخص المسيح، وتم الاتفاق على مصلح وتعبير يُرضي جميع الأطراف مثل لاهوته لم يفارق ناسوته.
- يجب أن يتم التمييز في التعليم المسيحي بين ما يتصل بالعقيدة والإيمان وبين ما يأتي من التقاليد التقوية التي تتسرب وتؤخذ كأنها عقيدة.
- تتحدث بعض الكتب عن عقيدة المطهر بشكل يميل إلى الآساطير والخرافات واحياناً التصورات التقوية النابعة من نفوس تقية والتي تأخذ الإنسان بعيداً عن الفكر المسيحي الحقيقي، فهناك تصورات عن الآلام والعذابات المطهرية التي تخيف والتي تمتاز بالخيال.
- يجب علينا مراعاة العصر والزمان والمكان والثقافة لأنه لكل عصر وزمن ومكان طريقة وأسلوب ولغة للتعبير، لكي تكون مناسبة لعقلية وحياة مجموعة البشر في هذا العصر والزمان والمكان، وقد لا يتلائم هذا الاسلوب وهذه اللغة وهذا التعبير عضراً أو زماناً أو مكاناً آخر. ومن هنا نلاحظ التطور والتغيير والتجديد في الطريقة والأسلوب واللغة والمصطلحات المستخدمة، وهذا ما نلاحظه مثلاً في عقيدة المطهر. ولذا أري أن الحوار مهماً للتقارب والتفاهم بين الكنائس ولإيجاد لغة مشتركة للتعبير عن إيمانها وتعاليمها وعقائدها. فالإيمان واحد ولكن العقيدة هي التعبير عن الإيمان، ولذا فالإيمان واحد، ولكن التعبير عنه يتعدد ويتنوع، وعلينا أن لا نخلط بين الإيمان والعقيدة، [نهما لا يتطايقا/ فالإيمان أكبر بكثير من العقيدة.
- تصلى الكنيسة من أجل الراقدين وفق ما يؤكده الكتاب المقدس وما تثبته الممارسات الطقسية عبر القرون. هلى هذه الصلوات والقداسات واعطاء الحسنات على أرواح الموتى التماساً لرحمة الله عليهم أموراً مسنحسنة أو أنها غير واجبة ولا مقدسة وتصبح مثل هذه الأشياء في هذه الحالة لاستدرار الربح الخسيس وتجارة بالدين، وتلاعب بعقول ومشاعر الناس. لأن جوهر هذه الصلاة من أجل الراقدين موجود في صميم إيماننا في شركة القديسين. إن الأحياء والأموات هم معاً يكونون الجسد الواحد السري لسيدنا يسوع المسيح. إن الصلاة من أجل الراقدين، بخاصة في ذبيحة القداس التي تقدم من اجلهم، تلتمس من الله أن يمنحهم الراحة والعزاء وأن يرحمهم يوم الدينونة.
- إن مخلصنا يسوع المسيح، رأس هذا الجسد، قد افتدى بدمه جميع البشر من خطاياهم، فمنه – وحده – يأتى الخلاص، وكل ما تقوم به الكنيسة واعضاؤها من أجل الراقدين يستمد قيمته من العمل الخلاصي وحده الذي أتمه يسوع المسيح. - كل مغفرة للخطايا لاتنال إلا بذبيحة الفادي سيدنا يسوع المسيح الذي يحيا من خلال الكلمة والأسرار المقدسة في حياة الكنيسة لكي تتم المغفرة لكل اعضائها.
- بدون توبة لا مغفرة. ولا توجد أية امكانية للتوبة بعد الموت. وصلاة الكنيسة ليس لها مفعولها إلا للراقدين الذين قبل موتهم قد تابوا بصورة ما عن خطاياهم. والله وحده يعلم ويحكم على هذه التوبة – وكانوا قد انتموا إلى شركة القديسين.
- إن نفوس الراقدين تنتظر قيامة الأجساد والدينونة العامة التي يقيمها المسيح الأتي في مجده، ولن تكمل المشاهدة الطوباوية إلا بعد هذه الدينونة، كما سينال كل المخلصين مع قيامة الجسد مجدهم الكامل الذي يمنحهم ميراث الملكوت.
- بعد الموت، سينعم القديسون بالمشاهدة الطوباوية لله مثلث الأقانيم، بينما يحرم الذين رقدوا في غير توبة من هذه المشاهدة الطوباوية، فهذا الانعام المباشر يسمى بالدينونة الخاصة. إلا أنه ليس كالدينونة العامة ولكنه اكتشاف النفس لذاتها في النور الإلهي. وتسمى المشاهدة الطوباوية لله مثلث الأقانيم بالفردوس أو السماء أو ملكوت السماوات. وقد تظل سعادة القديسين غير مكتملة حتى تتحد النفس بالجسد القائم من الموت في ملء مجد جسد المسيح.
- عندما تشير الكنيسة إلى الآلام المطهرة لا تعنى مطلقاً انها عقاب الله للخاطئ، لأن الله "هكذا أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 16:3) "والله لا يناقض ذاته" (2تى 13:2). فان كان للتائب آلام بعد الموت، فمصدر ذلك هو التشوق لرؤية الله والنمو في حبه والاتحاد بألام المسيح الذي فتح لنا بصليبه باب القيامة والملكوت. إن تعليم الكنيسة عن المطهر يعنى أن النفس الذي رقد في التوبة ومحبة الله وعدالته لا يزال يحمل نتائج الخطايا المرتكبة. هذه النفس تطهر بعد الموت من كل هذه النتائج بواسطة الآلام المطهرة. إن الآلام المطهرة وصلوات الكنيسة من أجل الراقدين والغفرانات التي تمنحها الكنيسة، ذلك كله لا يمكن أن يعتبر أيفاء للدين لله لكي ينقل الموتى إلى الحياة الطوباوية السماوية. ان دين كل خاطئ في نظر الله قد تم أيفاؤه اماماً بذبيحة المسيح في آلام المسيح التى تحملها مرة واحدة على الصليب، كما أن صلوات الكنيسة والغفرانات ليست إلا توسلات ترفعها الكنيسة من أجل أعضائها في شركة القديسين.
- كانت نفوس الأموات تذهب إلى الجحيم، لأنها جميعاً أخطأت بخطيئة آدم، فأدركها الحكم بالموت الذي أدرك آدم "بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رومية 12:5). ويتحدث الآنبا غريغوريوس في هذا الصدد قائلاً: وهذا هو السر في حاجة البشرية إلى الفادي، لأنه بدونه لا يمكنهم أن يخلصوا من حكم الموت الأبدي، وبدونه لا يستطيعون أن يدخلوا ملكوت السموات. ولا أن يعاينوها (يو 3:3-5)...لهذا صلب المسيح ومات فداءاً عن المسبيين الذين سباهم الشيطان إلى مملكته ومضي بهم إلى الججيم، فأنطلق المسيح إلى ذات الجحيم لينفذ الخراف من فم الذئب "وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السفلى" (أف 9:4) ورد الذين اختطفهم إبليس، ونقلهم من الجحيم إلى الفردوس "سبي سبياً وأعطى الناس عطايا" (أف 8:4). أجل "نزل المسيح إلى الجحيم، كما جاء في القداس طبقاً للنصوص السابقة، وطبقاً لقول الرسول أيضاً "ذهب فكرز للأرواح التي في السجن" (1بط 19:3) وبهذا هتف روح النبوءة "بدم عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي فيه ماء. إرجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء" (زك 11:9-12) نعم، رجع الذين "نظروا المواعيد من بعيد، وصدقوها وحيوها" (عب 13:11) رجعوا إلى الحصن الذي يركض إليه الصديق ويتمنع (أم 10:18)، رجعوا إلى الفردوس الذي كان مغلقاً في وجه البشرية منذ سقطة آدم الأول (تك 24:3)، ولم يفتحه إلا المسيح بالصليب (لو 43:23) . ومن هنا يجب أن نستفسر عن عمل المسيح بعد نزوله إلى الجحيم وتحرير النفوس من هذا السجن، هل وضعهم المسيح في سجن أخر اسمه الفردوس؟ ماذا فعل المسيح بعد قيامته: ألم يفتح باب النعيم أمام البشرية بعد أن أُغلق بعد الخطيئة؟ يجب تحديد معنى الفردوس والحياة الأبدية؟ هل حمل المسيح النفوس من مكان إنتظار إلى مكان إنتظار آخر؟
خاتمة: المطهر عقيدة إيمانية حية وتناسب عدل الله وقداسته ورحمته ومقبولة لدى العقل البشري وفترة المطهر هي فترة الاستعداد لمقابلة العريس وهي فترة اشتياق أو اكتمال الاشتياق وفي المطهر يتم الوصول إلى الكمال عن طريق صلوات الآخرين وبعد التطهير في المطهر يستطيع الإنسان مقابلة المسيح وبعض اللاهوتيين يشبهون المطهر بالزواج المتأخر أو المؤخر حيث نجد العروس موجودة ولكن في حالة انتظار فانظر العذاب عذاب هذا الانتظار ومن اختبره. المطهر لا يجد له معنى بعيداً عن دم المسيح المسفوك على عود الصليب فالمطهر هو نابع من فاعلية دم المسيح وقوته التي تمتد حتى ما لا نهاية لأن دم المسيح قمة الرحمة والحب والعدل أيضاً. فليس المطهر تيار آخر يضارب في تيار دم المسيح كما يرغب البعض أو يظن لأن المطهر أساساً مبني على فاعلية هذا الدم وبدون قوة مفعول الدم لا يوجد مطهر.[b] [color=red][font='T
عدل سابقا من قبل هنرى هانى في الخميس فبراير 18, 2010 12:12 am عدل 1 مرات
رد: تكملة عقيدة المطر للأب الدكتور أغسطينوس
شكرا ليك اخ هاني علي شرح هذه العقيده
دائما في انتظار المزيد
الرب ينور قلبك
دائما في انتظار المزيد
الرب ينور قلبك
zoro9092- عضو vip
- عدد المساهمات : 149
تاريخ التسجيل : 16/12/2009
مواضيع مماثلة
» عقيدة المطهر للاب الدكتور اغسطينوس موريس (منقول)
» مجموعة ترانيم للأب فادى ثابت (رقم 1)
» مجموعة ترانيم للأب فادى ثابت
» عقيدة مريم العذراء لبريئة من الدنس
» عقيدة الثالوث الأقدس بين الإيمان والعقل
» مجموعة ترانيم للأب فادى ثابت (رقم 1)
» مجموعة ترانيم للأب فادى ثابت
» عقيدة مريم العذراء لبريئة من الدنس
» عقيدة الثالوث الأقدس بين الإيمان والعقل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:22 pm من طرف هنرى هانى
» بحث في الكتاب المقدس
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:19 pm من طرف هنرى هانى
» تنزيل الكتاب المقدس
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:17 pm من طرف هنرى هانى
» مكرونة بالخضار صيامي
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:11 pm من طرف هنرى هانى
» كباب على الطريقة العراقية (كفته)
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:00 pm من طرف هنرى هانى
» الدجاج المحشو بالأرز والزبيب
الأربعاء أبريل 25, 2012 9:52 pm من طرف هنرى هانى
» المهلبية بالشوكولاتة
الأربعاء أبريل 25, 2012 9:49 pm من طرف هنرى هانى
» الحواوشى بالعجينة
الأربعاء أبريل 25, 2012 9:47 pm من طرف هنرى هانى
» كيف تجعل إبنك..مــتــواضــعاً
الأربعاء أكتوبر 05, 2011 1:54 pm من طرف gurgis