صاحب الغبطة أنطونيوس نجيب بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك
صفحة 1 من اصل 1
صاحب الغبطة أنطونيوس نجيب بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك
قداسة الحبر الأعظم،
أصحاب السيادة الكرادلة، أصحاب الغبطة البطاركة، أصحاب السيادة المطارنة،الإخوة الأجلاء المندوبون عن الكنائس الشقيقة وعن الجماعات الكنسية،الأخوات والإخوة الأحباء المدعوون والخبراء.
قبل كل شيء، أتقدم بالشكر لقداسة الحبر الأعظم، الذي كلفنى بمهمة المقرّر العام لهذه الجمعية. إنها المرة الأولى، التي أتولى فيها مهمّة مهيبة كهذه، وسأبذل كل جهدي للقيام بها على أفضل وجه، معتمدا على نعمة الرب وعلى سماحتكم.
تقديم
يخبرنا القديس لوقا، في كتاب أعمال الرسل، أن يسوع، في اللحظة التي أزمع فيها أن يترك خاصته، ترك لهم هذه الوصية: "ولكن الروح القدس يحل عليكم ويهبكم القوة، وتكونون لي شهودا في أورشليم واليهودية كلها والسامرة، حتى أقاصي الأرض" (أعمال 1 : .
وقام الرسل بهذه الرسالة منذ حلول الروح القدس عليهم، وأخذوا يعلنون بلا خوف بشرى إنجيل حياة وموت وقيامة الرب (راجع أعمال 2 : 32). وكانت ثمرةَ أول خطبة ألقاها بطرس الرسول، اهتداء وتعميد حوالي ثلاثة آلاف نفس، ومن بعدهم العديد من الناس. فتبدّلت حياتهم تماما: "وكانت جماعة المؤمنين قلبا واحدا وروحا واحدة، لا يدّعي أحد منهم مِلكَ ما يخصّه، بل كانوا يتشاركون في كل شيء لهم" (أعمال 4 : 32).
ولقد ألهمت تلك الأحداث المؤسِّسة موضوع وأهداف هذه الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط: الشركة والشهادة، الشهادة الجماعية والشخصية، النابعة من حياة متأصّلة في الميسح، ينعشها الروح القدس. وكان نموذج كنيسة الآباء الرسل هذا مثالا للكنيسة عِبر العصور. وتهدف جمعيتنا السينودسية هذه إلى مساعدتنا على العودة إلى هذا المثال، لمراجعة حياة، تمنحنا انطلاقة جديدة، وحيوية متجددة، تطهّرنا وتجدّدنا وتقوّينا.
لقد تسلمنا ورقة العمل لهذه الجمعية الخاصة، من يد قداسة الحبر الأعظم شخصيا، فى زيارته الرسولية لجزيرة قبرص، معبّرا بذلك عن اهتمامه الخاص بكنائسنا. والاحتفال الافخارستي الذي ترأسه قداسته صباح الأمس، هو أفضل عربون عن بركة الرب لهذه الجمعية. وإذ نحن واثقون من هذه المساندة الإلهية، ومتكلون على تعضيد ومرافقة السيدة مريم العذراء، فإننا ننطلق إلى العمل بكل ثقة.
مقدمة
لقد استقبلنا جميعا نبأ انعقاد هذه الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة، بمزيد من الفرح والحماس والامتنان والحرارة. ولمسنا في ذلك، من لدن الأب الأقدس، قبولا وتفهّما أبويا لأمنية عزيزة علينا، واهتماما خاصا من أسقف روما بكنائسنا، بصفته الراعي الأعظم للكنيسة الكاثوليكية. وكنا قد سبق ولمسنا هذا الاهتمام الخاص، في العديد من المناسبات، وبتواتر في خطابات وعظات قداسته. ولمسناه بشكل خاص في زياراته الرسولية لتركيا (2006)، ثم للأردن وإسرائيل وفلسطين (2009)، وحديثا لقبرص (2010). بيد أن حضور الأب الأقدس في وسطنا الآن يغمرنا بالحب والتضامن، والصلاة والمساندة، من جانب خليفة بطرس الرسول، ومن جانب الكرسي الرسولي، والكنيسة قاطبة.
وبمجرد أن أعلن قداسة البابا عن هذا الحدث، يوم 19 أيلول (سبتمبر) 2009، قامت الأمانة العامة لسينودس الأساقفة، مع المجلس التحضيري من أجل الشرق الأوسط، أولا بإعداد الخطوط العريضة. ثم أّعدّت ورقة العمل في شهر نيسان (أبريل) 2010. وتستند هذه الورقة أولا إلى الكتاب المقدس، كما تشير أساسيا إلى وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني، ومجموعة قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية، والى مجموعة الحق القانوني. وقد حظيت الرسائل العشر الصادرة عن مجلس البطاركة الكاثوليك في الشرق الأوسط باهتمام خاص. وأعتقد أن هذا العمل قد تمّ على أفضل وجه، بالرغم من الاستعجال الذي فرضه ضيق الوقت المُتاح.
وأودّ أن أشير إلى النقاط التالية لنتعمق فيها أثناء عملنا، وذلك رجوعا إلى ورقة العمل.
أ � هدف السينودس (3�6)
لقد أدركت كنائسنا جيدا وبكل تقدير الهدف المزدوج للمجمع الخاص بالشرق الأوسط ، وهو:
1- تثبيت وتقوية المؤمنين في هويّتهم المسيحية، بواسطة كلمة الله والأسرار.
2- إحياء الشركة الكنسية بين الكنائس الكاثوليكية ذات الحكم الذاتي، حتى تستطيع أن تقدّم شهادة حياة مسيحية حقيقية وفعالة. وفي أوضاعنا الحياتية، فإن البعد المسكوني، والحوار الديني، والجانب ألإرسالي، تشكل جزءا أساسيا من هذه الشهادة.
وتلحّ الوثيقة على ضرورة وأهمية أن يزوّد آباءُ السينودس المسيحيين في بلادنا بأسباب وجودهم، لتثبيتهم في رسالتهم أن يكونوا وأن يبقوا شهودا حقيقيين للمسيح القائم من بين الأموات، كلٌ في بلده. ففي وسط الظروف الحياتية، الشديدة الصعوبة أحيانا، والواعدة أيضا، هم أيقونة المسيح المنظورة، والتجسيد الحي لكنيسته، والقناة الحالية لعمل الروح القدس.
ب � تفكير يقوده الكتاب المقدس (7-12)
إننا نشعر بالفخر لانتمائنا إلى الأراضي التي فيها كتب أشخاصٌ الكتبَ المقدسة، بوحي من الروح القدس، في بعض لغاتنا. غير أن ذلك يلقي أيضا على عاتقتنا أعباء متطلبة. فينبغي أن بصبح الكتاب المقدس روح حياتنا الدينية وشهادتنا، وذلك على الصعيد الجماعي كما على الصعيد الفردي. وتشكل الليتورجيا المقدسة مركز وقمة حياتنا الكنسية. وفيها نحتفل بانتظام بكلمة الله ونصغي إليها. وفي ضوء الكتاب المقدس، عندما نقرأه، ونصليه، ونتأمله، مع الجماعة الكنسية، أو في مجموعات صغيرة، أو حتى شخصيا، يلزمنا أن نفتش عن الإجابات عن معنى حضورنا، وشركتنا، وشهادتنا، المناسبة للإطار الحالي، ولتحدّيات الظروف المتجددّة دوما.
وتلفت الوثيقة الانتباه إلى القصور في الجواب على عطش مؤمنينا الشديد إلى كلمة الله، وإلى شرحها وزرعها في قلوبهم وفي حياتهم. ولهذا يجب التفكير في مبادرات مناسبة وكافية، والعمل على نشرها وتشجيعها ومساندتها، مع استخدام وسائل الإعلام الحديثة أيضا. والأشخاص الذين، بحكم دعوتهم، على اتصال مباشر أكبر بكلمة الله، ملتزمون بالشهادة وبالشفاعة من أجل شعب الله. كما أن حفظ النصوص مفيد ومثمر على الدوام.
ينبغي توضيح "تاريخ الخلاص" في تفسيرنا وتقديمنا لمعنى الكتاب المقدس. فهو يكشف المخطط الإلهي الواحد، الذي يتحقق في الزمن، فى رباط وثيق بين العهد القديم والعهد الجديد، ويجد مركزه وقمته في المسيح. وحيث أن الكتاب المقدس هو كتاب الجماعة المسيحية، فلا يمكن فهم النص فهما صحيحا، إلا داخل هذه الجماعة. إن التقليد وتعليم الكنيسة، وبالأخص في بلادنا الشرقية، هما إذاً مرجعان لا غِنى عنهما لفهم وتفسير الكتاب المقدس.
وكلمة الله هي مصدر علم اللاهوت، وعلم الأخلاق، والحياة الروحية، والحيوية الرسولية والإرسالية. إنها تنير الحياة وتحوّلها وتقودها وتثبّتها. ويلجأ بعض الناس الجهلة أو ذوي النوايا السيئة، إلى استخدام الكتاب المقدس ككتاب وصْفات أو لأعمال الشعوذة. فعلينا تربية المؤمنين كي لا ينساقوا خلفهم. إن كلمة الله تنير أيضا الخيارات الجماعية والشخصية، لتجاوب على تحدّيات الحياة، وتلهم الحوار المسكوني والحوار الديني، وتوجّه الالتزام السياسي. فينبغي إذاً أن تصبح مرجعا للمؤمنين في التربية والشهادة. وهكذا ستساعد أيضا الناس ذوي الإرادة الصالحة أن يجدوا سُبُلا مفتوحة في بحثهم عن الله.
أولا: الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط
أ � وضع المسيحيين في الشرق الأوسط
1- لمحة تاريخية موجزة: وحدة في التعدد (13-18)
إن معرفة تاريخ المسيحية في الشرق الأوسط مهمة، ليس فقط بالنسبة إلينا، وإنما أيضا بالنسبة إلى العالم المسيحي بأسره. ففى هذه الأراضي اختار الله الآباء، وموسى، وشعب العهد القديم، وقاد مسيرتهم. وتكلم بواسطة أنبياء، وقضاة، وملوك، ونساء أقوياء في الإيمان. ولما تمّ ملء الزمان، تجسّد فيها يسوع المسيح المخلص، وعاش، واختار تلاميذه وكوّنهم، وأتمّ فيها عمله الخلاصي. وأصبحت كنيسة أورشليم، التي وُلدت يوم العنصرة، مصدر سائر الكنائس الخاصة، التي واصلت، وما زالت تواصل عبر العصور، عمل المسيح، بقوة الروح القدس، بقيادة قداسة البابا خليفة القديس بطرس.
وبعد صراعات صغيرة في بداية مسيرتها، واجهت الكنيسة انقسامات متتالية في مجمعي أفسس (431) وخلقيدونية (451). وهكذا ظهرت "كنيسة المشرق الرسولية الأشورية" و"الكنائس الأرثوذكسية الشرقية": القبطية والسريانية والأرمينية . وفي القرن الحادي عشر وقع الانشقاق الكبير بين روما والقسطنطينية. وكان السبب في هذه الانشقاقات مسائل لاهوتية، غير أن الأسباب السياسية والثقافية لعبت دورا رئيسيا في ذلك. ومن هنا، فعلى الدراسات التاريخية واللاهوتية أن توضّح تلك الحقبات والأحداث المأساوية، في سبيل تعزيز الحوار المسكوني.
وهذه الانقسامات كلها موجودة اليوم أيضا فى بلادنا، كثمرة مُرّة للماضى. ونحمد الله على أن الروح يعمل في الكنائس، لكي تتحقق صلاة السيد المسيح: "ليكونوا واحدا فينا أيها الاب...فيؤمن العالم انك أرسلتني" (يوحنا 17 : 21).
2- الأصل الرسولي والدعوة الإرسالية (19 -23)
كانت كنائسنا، التي باركها حضور السيد المسيح والرسل، مهدا للمسيحية وللأجيال الأولى. ومن هنا كانت دعوتها الخاصة في الحفاظ على ذاكرة الأصول، وتقوية إيمان أبنائها، وإنعاش روح الإنجيل فيهم، ليقود حياتهم وعلاقاتهم مع الآخرين من المسيحيين وغير المسيحيين.
وحيث أنها من أصل رسولي، فعلى كنائسنا رسالة خاصة في البشارة بالإنجيل. ودراسة تاريخ كنائسنا الإرسالي، من شانه أن ينشّط هذا الدفع الإنجيلي، الذي تميّزت به أصولنا. فأن نكون إرساليين واجبٌ مجاني علينا، بصفتنا كنائس متأصلة في الجذور، ومن منطلق تراثنا الغني والمتنوع. فما قبلناه، علينا أن نشارك فيه المحرومين منه. وعلى كنائسنا أن تنعش فيها� الحماس الإنجيلي الإرسالي.
ومن شأن هذا الانفتاح على عمل الروح القدس، أن يساعدنا على مشاركة أبناء أوطاننا العديدين، غِنى الحب ونور الرجاء الذي فينا (راجع رومة 5:5). وبالفعل "فنحن في وسط المجتمع الذي نعيش فيه، علامة حضور الله في عالمنا. وهذا ما يدعونا أن نكون �مع � و�في� و�لأجل� المجتمع الذي نعيش فيه. إنه مطلب أساسي لإيماننا ولدعوتنا ولرسالتنا" [1]. "والكنيسة لا تُقاس عدديا بأرقام، وإنما بما لدى أبائها من وعي حي بدعوتهم وبرسالتهم" [2].
ولتأمين مستقبل جماعاتنا، على الرعاة أن يعطوا عناية خاصة للعمل الراعوى من أجل الدعوات ، بواسطة آليات ملائمة وفعالة، بنوع خاص تجاه الشباب والعائلات. نشكر الله أن عند كنائسنا العديد من الدعوات، غير أن بعض الإيبارشيات تعاني من نقص حاد في الدعوات. فربما ينبغي علينا، أن نعيش البُعد الارسالي أولا بين إيبارشياتنا، وبين كنائس المنطقة. إن أفضل وسيلة لجذب الشباب إلى التكريس التام لله، هو مثال الكهنة والرهبان والراهبات الأتقياء، والفرحين، والمنطلقين، والمتحدين فيما بينهم. وقد يكون هذا السينودس فرصة سانحة لمراجعة أساليب ومناهج الاكليريكيات وبيوت التكوين.
أن التضامن والتعاون بين الرهبانيات و جمعيات الحياة المكرّسة وبين الأساقفة، تساعد على تشجيع الدعوات.وينبغي أن نجد الوسائل الملائمة لتعضيد وتقوية جمعيات ومؤسَّسات الحياة المكرّسة. كما يلزم تشجيع الحياة التأملية حيث توجد. وبواسطة الصلاة، يمكننا أن نمهّد السبيل لعمل الروح القدس، لكي يبعثها حيث لا توجد. وعلى الرهبانيات الموجودة في بلادنا، أن تبادر إلى إنشاء جماعات في أماكن أخرى، أو بلدان أخرى من المنطقة.
3- دور المسيحيين في المجتمع بالرغم من قلة عددهم (24-31)
إن مجتمعاتنا، بالرغم مما يوجد بينها من اختلافات، فهي تتّسم بخصائص مشتركة: كالتمسك بالتقاليد، وأسلوب الحياة التقليدي، والطائفية، والتمييز على أساس الدين. هذه العوامل يمكنها أن تقرّب وتوحّد، غير أنها قد تتسبّب فى التباعد والانقسام. إن المسيحيين هم في بلادهم "مواطنون أصليّون" ، وأعضاء كاملو العضوية في مجتمعاتهم المدنية. إنهم في موطنهم الأصلي، وغالبا منذ حقبات طويلة. إن حضورهم ومشاركتهم في حياة بلادهم كنز ثمين، ينبغي المحافظة عليه وحمايته. إن "العلمانية الايجابية" من شأنها أن تساعد الكنيسة على تقديم مساهمة فعالة ومثمرة، وعلى تقوية المواطنة لدى كل أبناء الوطن، على أساس المساواة والديموقراطية.
تحتاج الكنيسة إلى استخدام وسائل الاتصال الحديثة استخداما أكبر وأفضل، في عملها الرعوي والثقافي والاجتماعي. ولا بد من تكوين الكوادر المتخصصة لهذا الغرض. وعلى المسيحيين الشرقيين أن يلتزموا بالخير العام ، بكل جوانبه، كما فعلوا على الدوام. وفي إمكانهم أن يساعدوا على خلق ظروف اجتماعية، تدعم تنمية الأشخاص والمجتمع، وذلك بالتعاون مع جهود السلطات السياسية. وبالرغم من كونهم أقليات صغيرة، إلا إن حيويتهم متوهّجة وموضع تقدير. إنهم في حاجة إلى التشجيع والمساندة، لمواصلة ذلك حتى في الظروف الصعبة. كما� أن تقوية حياة الإيمان عندهم، وتدعيم الرباطهم الاجتماعي والتضامن فيما بينهم، سيساعدهم كثيرا، دون الانطواء على الذات والوقوع في حالة الخندقة (الجيتو).
وعن طريق عرض التعليم الاجتماعي للكنيسة، نقدّم مساهمة قيّمة لبناء المجتمع. وينبغى أن تشغل تنمية الأسرة والدفاع عن الحياة، مكانة أساسية في تعليم ورسالة كنائسنا. والتربية مجال مميَّز واستثمار كبير فى عملنا الرسولي. وبقدر الإمكان، فلتقدّم مدارسنا� مساعدة أكبر للأكثر احتياجا. وعِبر أنشطتها الاجتماعية والصحية والخيرية، المفتوحة لكافة أعضاء المجتمع، تساهم كنائسنا على نحو ظاهر في تحقيق الخير العام. وهى تقوم بذلك بفضل سخاء الكنائس المحلية، ومحبة الكنيسة الجامعة. ولكي تضمن مصداقيتها الإنجيلية، ينبغي على الكنيسة أن تستخدم الوسائل التي توفّر الشفافية في إدارة أموالها، مع التمييز الواضح بين ما يخصّها، وما يخصّ الأشخاص العاملين فيها. ولا بد من وضع لوائح و آليات خاصة بذلك.
ب � التحديات التي تواجه المسيحيين
1- الصراعات السياسية في المنطقة (32-35)
تؤثّر الأوضاع السياسية والاجتماعية في بلادنا تأثيرا مباشرا على المسيحيين، الذين يشعرون بقوة أكبر، بتبعاتها السلبية. ففي الأراضي الفلسطينية الحياة صعبة للغاية، وأحيانا غير محتملة. إن وضع المسيحيين العرب هناك حرج جدا. ومع تنديدنا بالعنف أيا كان مصدره، ومع دعوتنا إلى ضرورة إيجاد حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فإننا نعبّر عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني، الذى يتسبّب وضعه الراهن فى تعزيز الأصولية. إن الإصغاء إلى المسيحيين هناك قد يساعد أكثر على فهم الأوضاع. وبالنسبة إلى وضع أورشليم، ينبغى أن يوضع في عين الاعتبار أهميتها للديانات الثلاث: المسيحية والإسلامية واليهودية.
وإنه لمن المؤسف ألا تبالي السياسة العالمية بالقدر الكافي بأوضاع المسيحيين المأساوية في العراق، وهم الضحية الرئيسية للحرب وتوابعها. وفي لبنان، فان المزيد من الاتحاد بين المسيحيين سوف� يساعد على استقرار أكبر في البلاد. وفي مصر، ستربح الكنائس كثيرا من تنسيق مجهوداتها، من أجل تقوية الإيمان لدى المسيحيين، وإنجاز أعمال مشتركة لصالح البلاد.
ووفقا للإمكانيات المتاحة في كل بلد، يتحتم على المسيحيين تعزيز الديموقراطية، والعدالة والسلام، والعلمانية الايجابية، في التمييز بين الدين والدولة، واحترام كل الديانات. إن التحلي بموقف الالتزام الايجابي في المجتمع هو الإجابة البناءة، سواء تجاه المجتمع، أم تجاه الكنيسة.
2- الحرية الدينية وحرية الضمير (36-40)
إن حقوق الإنسان هي الأساس الذي يضمن خير الإنسان الشامل، بصفته معيار كل نظام سياسي واجتماعي. وينبع ذلك من نظام الخلق نفسه. فمن لا يحترم خليقة الله، وفقا للنظام الذي وضعه هو، لا يحترم الخالق. و يتطلب تعزيز حقوق الإنسان السلام والعدالة والاستقرار.
والحرية الدينية هي أحد المكوّنات الأساسية لحقوق الإنسان. وما حرية العبادة إلا مظهر من مظاهر الحرية الدينية. وهي مكفولة في معظم بلداننا بقوة الدستور. وبالرغم من ذلك، فان ثمة بعض القوانين أو الممارسات، التي تحدّ من تطبيقها في بعض البلاد. والمظهر الآخر للحرية الدينية هو حرية الضمير، المبني على الاختيار الحر للشخص. وغيابها يقف حائلا في وجه الاختيار الحر لأولئك الذين يرغبون الانضمام للإنجيل، وإنما يخشون الإجراءات التعسّفية ضد أشخاصهم و ضد عائلاتهم. ولا يمكن لحرية الضمير أن توجد وتنمو إلا بمقدار نمو احترام حقوق الإنسان في جملتها وكاملها.
وتسهم التربية فى هذا الاتجاه إسهاما ثمينا في التقدم الثقافي للبلاد، لمزيد من العدالة والمساواة تجاه الحقوق. وتشجب الكنيسة الكاثوليكية بشدة كل أنواع الاستقطاب (الاقتناص). وتجدر مناقشة هذه المسائل بهدوء، في إطار مؤٍسّسات وآليات الحوار، بنوع خاص في داخل كل بلد. والمؤسّسات التربوية المتعددة الموجودة في كنائسنا، هي وسيلة مميَّزة لتعزيز هذه التربية. كما أن المراكز الصحية والخدمات الاجتماعية تشكل بدورها شهادة بليغة عن محبة القريب، بدون أدنى تمييز أو تفرقة. وتثمين الأيام والأحداث والاحتفالات المحلية والدُولية المخصّصة لهذه القضايا، يساعد على نشر وتقوية تلك الثقافة. ويلزم استخدام وسائل الإعلام لنشر هذه الروح.
3- المسيحيون وتطوّر الإسلام المعاصر (41-42)
نلاحظ تصاعد الإسلام السياسي في المنطقة، اعتبارا من السنوات 1970، ويشمل تيارات دينية مختلفة. وهو يؤثر على وضع المسيحيين، خاصة في بلاد العالم العربي. إنه يسعى إلى فرض أسلوب حياة إسلامي على كل المواطنين، وأحيانا عن طريق العنف. وبالتالي فهو يشكل تهديدا للجميع، وعلينا أن نواجه معا هذه التيارات المتطرفة.
4- الهجرة (43-48(
بدأت الهجرة في الشرق الأوسط قرب نهاية القرن التاسع عشر لأسباب سياسية واقتصادية. وكان للصراعات الدينية دور حاسم في بعض الحقبات العصيبة. وقد تزايدت الهجرة حاليا في بلداننا. أما الأسباب الرئيسية فهي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وحرب العراق، والأوضاع السياسية والاقتصادية، وتصاعد الأصولية الإسلامية، وتقييد الحريات والمساواة. وأغلب المهاجرين هم من بين الشبان والمثقفين والأثرياء، مما يحرم الكنيسة والوطن من موارد قيّمة.
ويرجع إلى المسئولين السياسيين أن يوطدوا السلام والديموقراطية والتنمية، لكي يعززوا مناخا من الاستقرار والثقة. والمسيحيون وكل ذوي الإرادة الصالحة، مدعوون إلى الالتزام إيجابيا بتحقيق هذا الهدف. كما أن حث المؤسّسات العالمية على واجب تقديم المزيد من المساهمة في تنمية بلادنا، سوف يساعد كثيرا في هذا الاتجاه. ويمكن للكنائس المحلية في الغرب أن تؤثر كثيرا في هذا العمل، وبطريقة مفيدة وفعالة. ومن واجب الرعاة أن يجعلوا مؤمنينهم أكثر وعيا بدورهم التاريخي. إنهم حاملو رسالة المسيح في بلادهم، حتى في وسط الصعوبات والاضطهادات. وغيابهم سيكون له أثره السلبي الخطير على المستقبل. ومن المهم أن نتجنب كل أسلوب مُحبِط، أو أن نشجّع الهجرة بمثابة اختيار أفضل.
ومن جهة أخرى، تشكل الهجرة مصدر دعم هام للوطن وللكنيسة. وينبغي على كنيسة بلد المنشأ، أن تجد الوسائل للحفاظ على الروابط القوية مع أبنائها المهاجرين، وأن تضمن لهم الخدمة الروحية. ولا بد من تأمين الاحتفال بالليتورجيا، في طقسهم الخاص، لمؤمني الكنائس الشرقية الموجودين في مناطق الطقس اللاتيني. أما تصفية الممتلكات في الموطن الأصلي فهو أمر مؤسف. في حين أن الاحتفاظ بها، أو اقتناء عقارات جديدة، سوف يشجّع على العودة. وعلى جماعات الانتشار أن تشجّع وتقوّي الحضور المسيحي في الشرق، بهدف تقوية شهادتهم، والدفاع عن قضاياهم، لخير الوطن. ولا بد من وجود رعويات مناسبة تهتم بالهجرة الداخلية في كل بلد.
5- الهجرة المسيحية الدُولية الوافدة في الشرق الأوسط (49-50)
عرفت بلدان الشرق الأوسط ظاهرة أخرى هامة: استقبال أعداد كبيرة من العمالة الوافدة من البلاد الأفريقية والأسيوية، ومعظمهم من النساء. وكثيرا ما يتعرضون لمواقف ظلم واستغلال مخالفة للمواثيق والشرائع الدُولية. فينبغي على كنائسنا أن تبذل مجهودا أكبر لمساعدتهم، عبر استقبالهم ومرافقتهم الدينية والاجتماعية. إنهم في حاجة إلى رعويات خاصة، بالتنسيق بين الأساقفة والجمعيات الرهبانية والمنظمات الاجتماعية والخيرية.
ج- ردود المسيحيين في حياتهم اليومية (51-53)
إن الشهادة المسيحية، على كافة المستويات، هي الإجابة الأساسية في الظروف التي يعيشها المسيحيون. ومنذ الأصول، تحتل الحياة الرهبانية مكانة هامة فى ذلك. فحياة الصلاة والتأمل لها أيضا رسالة التشفع من أجل الكنيسة والمجتمع.
والسعي إلى جعل الشهادة المسيحية أفضل وأكمل، بإتباع يسوع المسيح أكثر فأكثر، إنما� هو ضرورة ملحة على كافة المستويات: للاكليروس، والرهبانيات وجمعيات ومؤسسات الحياة الرسولية، وكذلك للعلمانيين، كل وفقا لدعوته الخاصة. وينبغي أن يعمل تكوين الاكليروس والمؤمنين، وكذلك العظات، والتعليم الديني، على تعميق وتقوية معنى الإيمان، وعلى الوعي بدورنا ورسالتنا في المجتمع، كترجمة وشهادة لهذا الإيمان. ولا بد من تحقيق تجديد كنسي: الاهتداء والتطهير، والتعمق الروحي، وتحديد أولويات الحياة والرسالة.
ولا بد من مضاعفة الجهود لاكتشاف وتكوين "الكوادر" اللازمة، على كافة الأصعدة. وينبغي أن يكونوا مثالا للشهادة، لكي يساندوا ويشجّعوا إخوتهم وأخواتهم، وخاصة في الأوقات الصعبة. ويجدر بنا أيضا أن نعمل على تكوين كوادر قادرة على عرض المسيحية، سواء للمسيحيين الذين ليست لديهم روابط كافية مع الكنيسة، أو البعيدين عنها، أو لغير المسيحيين. ونوعية الكوادر أهم بكثير من عددها. كما أن التكوين الدائم أمر لا غنى عنه. ولا بد من إحاطة الشبان باهتمام خاص، إذ هم قوة الحاضر ورجاء المستقبل. وينبغي تشجيع المسيحيين على الالتزام في المؤسسات العامة، لبناء المجتمع .
ثانيا : الشركة الكنسية
إن التنوّع في الكنيسة الكاثوليكية، بعيدا عن أن يضير بوحدتها، فانه يبرز قيمتها. وأساس الشركة المسيحية هو سر الثالوث الأقدس. والكنيسة هي سر الشركة. وتقوم المحبة في محور هذه الحقيقة: "هذه هي وصيتي: أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا" (يوحنا 12:15). ولما كنا نواجه على الدوام تحدّي التعدّدية، فإننا مدعوون إلى اهتداء مستمر، لكي نعبر من عقلية الطائفية إلى الحسّ الحقيقي بالكنيسة.
أ- شركة داخل الكنيسة الكاثوليكية وبين الكنائس المختلفة (55-56)
إن العلامات الرئيسية التي تُظهِر الشركة داخل الكنيسة الكاثوليكية هي: العماد، والافخارستيا، والشركة مع أسقف روما، خليفة هامة الرسل. وقد حدّدت مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية الجوانب القانونية لهذه الشركة. كما أن مجمع الكنائس الشرقية، والدوائر الرومانية المختلفة، هي أيضا في خدمة هذه الشركة.
وعلى مستوى العلاقات بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية، تظهر هذه الشركة من خلال هيئة بطاركة الشرق الكاثوليك. إن رسائلهم الراعوية هي وثائق ذات قيمة كبرى وأهمية راهنة. وفي داخل كل بلد، تتوطد هذه الشركة عِبر مجلس البطاركة والأساقفة، أو مجلس الأساقفة. إنها، بروح الأخوة والتعاون، تدرس المسائل المشتركة، وتقدّم التوجيهات لتقوية الشهادة المسيحية، وتنسّق الأنشطة الراعوية. ومن المحبَّذ أن يتم لقاء يجمع كل أساقفة الشرق الأوسط، بصورة دورية يحدّدها مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك. إن الكنائس ذات الحكم الخاص مفتوحة كلها أمام جميع الكاثوليك، إلا انه ينبغي الحرص بعناية على عدم إبعادهم عن كنيستهم الأصلية.
وتجدر الإشارة كذلك إلى العلاقات بين كنائسنا الشرقية وكنيسة التقليد اللاتيني (كنيسة الغرب"). إننا نحتاج بعضنا لبعض. نحتاج إلى صلواتها، وتضامنها، وإلى خبرتها الروحية، واللاهوتية، والثقافية، الطويلة والغنية. وهي أيضا في حاجة إلى صلواتنا، والى مثال أمانتنا لتراث أصولنا الغني والمتنوع، والى وحدتنا في التنوع والتعدّد. "إن الكنز القديم والحي لتقاليد الكنائس الشرقية يُغني الكنيسة الجامعة، ولا ينبغي إطلاقا اعتباره حقائق يجب الاحتفاظ بها فحسب" [3]. والشركة بين الكنائس لا تعني أبدا توحيد الشكل، وإنما المحبة المتبادلة، وتبادل الهبات.
ب- الشركة بين الأساقفة والاكليروس والمؤمنين (57-62)
وفي داخل الكنيسة الواحدة، تقوم الشركة على غرار الشركة مع الكنيسة الجامعة ومع أسقف روما. ففي الكنيسة البطريركية، تتجلى في سينودس الأساقفة حول البطريرك، أب ورأس كنيسته. وفي الإيبارشية، تتمّ حول الأسقف، الذي ينبغي عليه أن يسهر على التناغم بين الجميع. وتساعد آليات العمل الجماعي والتنسيق الراعوي على تقوية الشركة. وهى لا يمكن أن تتحقق إلا على أساس الوسائل الروحية، وخاصة الصلاة، والإفخارستيا، وكلمة الله. وعلى الرعاة، والمكرَّسين، والقادة والمسئولين على مستوى الإيبارشية والرعية، مسئولية جسيمة أن يكونوا نموذجا ومثالا للآخرين. ويقدّم لنا هذا السينودس فرصة لمراجعة جادّة لحياتنا، في سبيل اهتداء فعلي. ويستنير موضوعه من مثال الجماعة المسيحية الأولى: "وكان جماعة المؤمنين قلبا واحدا وروحا واحدا".
إن اشتراك المؤمنين العلمانيين في حياة ورسالة الكنيسة هو من المتطلبات الرئيسية للشركة. وقد تخفى التنظيمات الظاهرية واقعا سلبيا أو دورا تنفيذيا بحتا. فلا بد أن يشترك العلمانيون اشتراكا فعليا في التفكير والتقرير والتنفيذ. وبالاتحاد مع الرعاة، يلزم تشجيع مبادراتهم الراعوية الجيّدة والإيجابية، وكذلك التزامهم في خدمة المجتمع.� كما ينبغى تثمين وتوسيع دور المرأة، المكرَّسة والعلمانية،� في الكنيسة. وكذلك يجب أن تأخذ المجالس الراعوية دورها الهام، على صعيد الرعية، والإيبارشية، والوطن. وينبغي على الجمعيات والحركات الرسولية الدُولية، أن تتواءم أكثر مع عقلية وتقاليد وثقافة ولغة الكنيسة والبلد الذي يستقبلها، وأن تعمل في تنسيق تام مع الأسقف المحلي. كما نوصى بقوّة باندماجها في التقليد الشرقي. وينطبق هذا أيضا على الجمعيات الرهبانية ذات الأصل الغربي.
ثالثا : الشهادة المسيحية
أ- الشهادة في الكنيسة: التعليم المسيحي
1- تعليم مسيحي لوقتنا الحاضر، بواسطة مؤمنين مؤهَّلين جيدا (62-64)
أن يكون المرء مسيحيا يعني أن يكون شاهدا ليسوع المسيح، يحييه و يقوده الروح القدس. فالكنيسة موجودة لكي تشهد لربها. هذه هى بشارتها الأساسية.� وتنتقل هذه الشهادة عِبر القدوة، والأعمال، والتعليم المسيحي، وخاصة التنشئة على الإيمان و الأسرار المقدسة.� ويلزم أن تتّجه إلى جميع الأعمار، الأطفال والشباب والبالغين. وبعد إعداد جيد، يمكن أن يقوم بعض الشباب بالتعليم المسيحي لغيرهم من الشباب. كما يمكن أن يشترك بعض الوالدين، بعد إعداد جيد، في مهمة التعليم المسيحي، في إطار الأسرة والرعية. كما أن المدارس الكاثوليكية والجمعيات والحركات الرسولية هى مواضع مميَّزة لتعليم الإيمان.
إن وجود المرشد الروحي بالقرب من الشبان والفئات العُمرية الأخرى، ومساندته لهم، هو عون ثمين للتكوين الديني، يعزّز تطبيق الإيمان على الحياة الواقعية. وفي الرعايا والمؤسسات التربوية والثقافية، ينبغي أن يشغل التكوين الديني مكانا مناسبا، وان يتناول المشاكل الحقيقية والتحدّيات الحالية. ويلزم أن نضمن التكوين الجيد لمربي الإيمان. وبدون شهادة حياتهم، سيظل عمل معلمي الدين عقيما. فإنهم، قبل كل شيء، شهود للإنجيل. ويجب كذلك أن ينمّي التعليم المسيحي القيم الأخلاقية والاجتماعية، واحترام الآخر، وثقافة السلام واللاعنف، وكذلك الالتزام بالعدالة والحفاظ على البيئة. إن تعليم الكنيسة الاجتماعي، الغائب غالبا، هو جزء لا يتجزأ من تربية الإيمان.
2- طرق التعليم المسيحي (65-69)
لا يمكن أن يقتصر التعليم المسيحي اليوم على التلقين الشفهي. ولا بد من استخدام الوسائل الفاعلة. ويحب الأطفال والشباب العمل في مجموعات: ليتورجية، رياضية، موسيقية، كشفية وغيرها. وينبغي عمل مثل هذه المجموعات في الأماكن حيث لا توجد. وإنما يجب الحذر من أن تتحوّل الى مجرد أنشطة اجتماعية، بلا مساحة لتربية الإيمان.
إن وسائل الإعلام الحديثة وسائل فعالة للغاية، لإعلان الإنجيل والشهادة له.� وتحتاج كنائسنا إلى أشخاص متخصّصين في هذه المجالات. وربما كان علينا أن نشجّع الموهوبين من بينهم، لينالوا التكوين اللازم، ومن ثم نكلفهم بهذا العمل. وفي لبنان، يقدّم صوت المحبة، وبالأكثر تلى لوميير/ نورسات خدمة كبرى للمسيحيين فى منطقتنا، تصل أيضا إلى مختلف القارات. ولقد قامت بلدان أخرى بمبادرات مماثلة. وتحتاج جميعها إلى المساندة والتشجيع.
ويجب أن يضع التعليم المسيحي في عين الاعتبار، مناخ الصراعات الذي يسود بلادنا. فيعمل على تقوية المسيحيين في الإيمان، ويربّيهم على عيش وصية المحبة، ليكونوا صانعي سلام وعدالة وصفح. كما إن الالتزام في الحياة العامة واجب، تفرضه الشهادة ورسالة بناء ملكوت الله. و هذا كله يتطلب التكوين على تخطي الطائفية، والعصبيات، والعداوات الداخلية، لكي نرى وجه الله في كل شخص، وأن نتعاون معا لنبني مستقبلا، يقوم على السلام والاستقرار والرخاء.
ب- ليتورجيا مجدَّدة وأمينة على التقليد (70-75)
إن الليتورجيا "هي القمة، التي يتجه نحوها عمل الكنيسة، وهي في الوقت نفسه الينبوع، الذي تتدفق منه كل قوتها" [4]. وتشغل الليتورجيا مركز الحياة الدينية في كنائسنا الشرقية. إنها تلعب دورا هاما في المحافظة على الهوية المسيحية، وفي تقوية الانتماء إلى الكنيسة، وفي إنعاش حياة الإيمان، وفي جذب اهتمام الذين ابتعدوا عن الإيمان، بل وغير المؤمنين أنفسهم. فهي بالتالي تشكل إعلانا وشهادة هامين، عن كنيسة تصلى، وليس فقط تعمل.
والتجديد الليتورجي مطلوب كثيرا. ومع بقائه متأصلا في التقليد، يجب أن يراعي الحساسية الحديثة، والاحتياجات الروحية والراعوية الحالية. ولا بد من تشكيل لجنة من الخبراء للقيام بمهمة التجديد الليتورجي.� كما يتضح أنه يلزم وضع صياغة ملائمة للنصوص الليتورجيا، في الاحتفالات الطقسية الخاصة بالأطفال والشباب، مستوحاة من التراث الخاص بكل كنيسة.� ومن الضروري أن يقوم بهذا العمل مجموعة أشخاص من مختلف التخصصات. والتجديد الليتورجي مطلوب أيضا للصلوات التقوية. وفي كل هذا العمل الخاص بالتجديد الليتورجي، يجب مراعاة البُعد المسكوني. وموضوع المشاركة في الأسرار موضوع شائك يتطلب دراسة خاصة.
ج- المسكونية (76-84)
"ليكونوا واحدا...حتى يؤمن العالم"(يوحنا 17:21). هذه الصلاة، التي قالها يسوع المسيح، ينبغي أن يواصلها تلاميذه في كل وقت. فانقسام المسيحيين يضاد إرادة المسيح، ويشكل عثرة للعالم، وعائقا أمام إعلان الإنجيل والشهادة. وترتبط الرسالة و المسكونية ارتباطا وثيقا الواحدة بالأخرى. إن الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية لديها الكثير من العناصر المشتركة، إلى درجة أن الباباوات� بولس السادس ويوحنا بولس الثاني وبنديكتوس السادس عشر، تحدّثوا عن " شركة كاملة تقريبا". وهذا هو ما ينبغي أن نركز عليه، أكثر من التركيز على الاختلافات. والمعمودية هي أساس العلاقات مع الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى. وبفضلها يصبح من الممكن والضروري القيام بالعديد من الأعمال والمبادرات المشتركة. ويجب أن تكون المسكونية ضمن التعليم المسيحي، بشكل واضح وصريح. كما يلزم الامتناع عن أي عمل، أو إصدار أية منشورات ، جارحة أو مزعجة
ولا بد من بذل مجهود صادق للتغلب على الأحكام المسبَّقة، والتوجه صوب الشركة الكاملة في الإيمان والأسرار والخدمة الرسولية. ويتم هذا الحوار على عدة مستويات. فعلى المستوى الرسمي، يقوم الكرسي ألرسولي بمبادرات مع جميع كنائس الشرق، تشارك فيها الكنائس الشرقية الكاثوليكية. وينبغي أن نجد صيغة جديدة لممارسة "الأولية"، دون التخلي عما هو أساسي في مهمّة أسقف روما [5]. ومن المُحبَّذ، إنشاء لجان محلية للحوار المسكوني. وسوف تساعدنا دراسة تاريخ الكنائس الشرقية الكاثوليكية، وكذلك تاريخ الكنيسة اللاتينية، على توضيح السياق والعقلية والرؤية، المتعلقة بقيامها.
ويتطلب العمل المسكوني سلوكا مناسبا: الصلاة، والاهتداء، والسعي إلى القداسة، وتبادل العطايا، بروح الاحترام، والصداقة، والمحبة المتبادلة، والتضامن، والتعاون. وينبغي اكتساب وتدعيم هذا السلوك، بواسطة التعليم ووسائل الإعلام المتنوعة. والحوار هو الوسيلة الرئيسية للعمل المسكوني. ويتطلب موقفا إيجابيا من التفاهم، والإصغاء، والانفتاح على الآخر. وسوف يساعد ذلك على التغلب على عدم الثقة، وعلى العمل معا في سبيل تنمية القيم الدينية، وعلى المشاركة في مشاريع المنفعة الاجتماعية. وينبغي أن نواجه معا المشاكل المشتركة.
ويلزم تدعيم المبادرات والهيكليّات، التي تعبّر عن الوحدة وتدعمها، كمجلس كنائس الشرق الأوسط، وأسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين. ويُعتبر "تطهير الذاكرة" خطوة هامة في السعي نحو الوحدة الكاملة. كما أن الاشتراك والتعاون في الدراسات الكتابية، واللاهوتية، والآبائية، والثقافية، يعزز روح الحوار، كذلك يمكن القيام بعمل مشترك، لتكوين خبراء في وسائل الإعلام باللغات المحلية. وفى البشارة والرسالة، ينبغي أن نتجنّب بعناية كل أشكال الاستقطاب (الاقتناص)، وكل وسيلة تتعارض مع الإنجيل. ويجب بذل الجهد من أجل توحيد الاحتفال بعيدي الميلاد والفصح.
د- العلاقات مع اليهودية
1- المجمع الفاتيكاني الثاني: الأساس اللاهوتي للعلاقة باليهودية (85-87)
يتناول تصريح المجمع الفاتيكاني الثاني " في عصرنا" علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية، وفيه تشغل اليهودية مكانا مميَّزا. ويدخل هذا التصريح فى إطار دستورين عقائديين: "نور الأمم" عن الكنيسة، و"كلمة الله" عن الوحي الإلهي. تؤكد الوثيقة الأولى أن شعب العهد القديم نال العهود والمواعيد، وأن المسيح جاء بالجسد من هذا الشعب، الذي يستمر في شعب العهد الجديد، وتعلن صور العهد القديم عن الكنيسة. وتعتبر الوثيقة الثانية العهد القديم بمثابة تمهيد للإنجيل، وجزء لا يتجزأ من تاريخ الخلاص.
2- تعليم الكنيسة الراهن (88 -89)
وعلى أساس هذه المبادئ اللاهوتية، انطلقت مبادرات للحوار، على مستوى الكرسي الرسولي وعلى صعيد الكنائس المحلية. غير إن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يلقي ظلاله على العلاقات بين المسيحيين واليهود. ولقد عبّر الكرسي الرسولي عن موقفه من ذلك مرات عديدة ، وبالأخص بمناسبة� زيارة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر للأراضي المقدسة عام 2009.
فقد أكد للفلسطينيين حقهم في وطن ذي سيادة، يتمتع بالأمان والسلام مع جيرانهم، داخل حدودٍ مُعترف بها دُوليا [6]. وصرّح أيضاً في مدينة أورشليم، تُدعى هذه المدينة أمَّ جميع الناس. ويمكن أن يكون للأم العديد من الأبناء، الذين ينبغي عليها أن تجمعهم لا أن تفرّقهم [7]. وللإسرائيليين تمنّى قداسته أن يعيش الشعبان معا في سلام، كلٌ في وطنه، داخل حدود آمنة، مُعترف بها دُوليا [8]. وقال لرئيس دولة إسرائيل: "ترتكز قضية الأمن الدائم على الثقة، وتتغذى من منابع العدالة والنزاهة، وتترسّخ باهتداء القلوب" [9]. �
3- الرغبة في الحوار مع اليهودية والصعوبات التي تعترضه (90 � 94)
ترفض كنائسنا المعاداة للسامية ولليهودية. أما الصعوبات في العلاقات بين الشعوب العربية والشعب اليهودي، فترجع بالأحرى إلى الصراعات السياسية. إننا نميّز بين الواقع الديني والواقع السياسي. ورسالة المسيحيين هى أن أن يكونوا صانعي مصالحة و سلام، قائمَين على العدل لكلا الطرفين. وتوجد مبادرات راعوية محلية للحوار مع اليهودية، كالصلاة المشتركة بالأخص انطلاقا من المزامير، وكذلك قراءة وتأمل نصوص الكتاب المقدس.
ويساعد ذلك على خلق استعدادات طيبة، لكي نطلب معا السلام والمصالحة والعفو المتبادل، والعلاقات الجيّدة. وإنما تنشأ مشكلة عندما تتعرض بعض آيات الكتاب المقدس لتفاسير مضللة، تنبع من "ثقافة العنف"، فتبرّره أو تدعمه. إن قراءة العهد القديم والتعمق في معرفة التقاليد اليهودية تساعد على معرفة أفضل للديانة اليهودية. وهى توفّر مناخا مشتركا لدراسات جادة، كما تساهم في معرفة أفضل للعهد الجديد وللتقاليد الشرقية. وهناك إمكانيات أخرى للتعاون في الواقع الراهن.
ه- العلاقات مع المسلمين (95 -99)
وتصريح المجمع الفاتيكاني الثاني "في عصرنا" ، يضع كذلك الأساس لعلاقات الكنيسة الكاثوليكية مع المسلمين. ونقرأ فيه: " تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين، الذين يعبدون الله الأحد، الحي القيوم، الرحيم والكلي القدرة، فاطر السموات والأرض، الذي كلم الناس" [10]. وبعد المجمع تمّت لقاءات عديدة بين ممثلي الديانتين. ويصرّح البابا بندكتوس السادس عشر في مطلع حبريته: "إن الحوار الديني والحوار بين الحضارات، بين المسيحيين والمسلمين، لا يمكن أن يكون مجرد خيار عابر. إنه في الواقع ضرورة حيوية، يتعلق عليها مستقبلنا إلى حد كبير" [11].
وبعد ذلك، قام قداسة البابا بزيارة المسجد الأزرق في اسطنبول بتركيا (30/11/2006)، ولمسجد الحسين بن طلال في عمّان بالأردن، (11/5/2009). كما يعقد المجلس الحبري للحوار بين الأديان لقاءات حوار ذات أهمية قصوى. ونوصى بإنشاء لجان محلية للحوار الديني. وينبغي أن نعطى المكانة الأولى لحوار الحياة، الذي يقدّم مِثال شهادة صامتة بليغة، والذي قد يكون أحيانا الوسيلة الوحيدة لإعلان ملكوت الله. إن المسيحيين الذين يقدّمون شهادة إيمان صادقة، هم وحدهم مؤهَّلون لحوار ديني جدير بالثقة. وكم نحتاج أن نربّي مؤمنينا على الحوار.
وهناك أسباب عديدة تدعو إلى خلق علاقات بين المسيحيين والمسلمين. ففى البلد الواحد، الكل مواطنون ، يتقاسمون اللغة نفسها والثقافة عينها، كذلك الأفراح والآلام ذاتها. أضف إلى ذلك، أن رسالة المسيحيين هى أن يكونوا شهودا للمسيح في مجتمعاتهم. ولقد وجد الإسلام، منذ نشأته، جذورا مشتركة مع المسيحية واليهودية، كما أشار قداسة البابا [12]. وينبغي أن نبرز قيمة الأدب العربي المسيحي أكثر فأكثر.
وليس للإسلام شكل واحد، فهناك تعدّدية فقهية، وثقافية، ومذهبية. وتنشأ صعوبات في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، بسبب أن المسلمين عامةً لا يفصلون بين الدين والسياسة. مما يجعل المسيحيين يشعرون وكأنهم ليسوا مواطنين، في حين أنهم أبناء البلاد قبل مجيء الإسلام بكثير. إننا نحتاج إلى اعتراف ينتقل من التسامح إلى العدالة والمساواة، المؤسَّسة على المواطنة، والحرية الدينية، وحقوق الإنسان. هذا هو أساس وضمان التعايش الجيّد.
وعلى المسيحيين أن يعملوا على التجذّر في مجتمعاتهم بصورة أفضل دائما، وعلى عدم الاستسلام لنزعة الانغلاق على الذات بوصفهم أقلية. عليهم أن يعملوا مع الآخرين من أجل تنمية العدالة، والسلام، والحرية، وحقوق الإنسان، والبيئة، وقِيم الحياة والأسرة. وليواجهوا المشاكل الاجتماعية-السياسية، ليس بمثابة حقوق يطالب بها المسيحيون، إنما بمثابة حقوق عالمية، يدافع عنها المسيحيون والمسلمون معا لخير الجميع. يتحتم علينا أن نخرج من منطق الدفاع عن حقوق المسيحيين، لنلتزم بالعمل لخير الجميع. وعلى الشباب أن يولوا اهتمامهم للقيام بأعمال مشتركة في هذا الاتجاه.
وينبغي تنقية الكتب المدرسية من كل الأحكام المسبَّقة على الآخرين، ومن كل تجريح أو تشويه. بل بالأحرى يجب السعي إلى فهم وجهة نظر الآخر، مع احترام المعتقدات والمُمارسات المختلفة. وعلينا أن نبرز المساحات المشتركة، خاصة على الصعيدين الروحي والأخلاقي. إن السيدة العذراء مريم هى نقطة التقاء ذات أهمية عظمى. والإعلان مؤخرا عن عيد البشارة كعيد قومي في لبنان نموذج مشجِّع. فالدين يبنى الوحدة والوئام، ويعبّر عن الشركة بين الأشخاص ومع الله.
و- الشهادة في المجتمع (100 -110)
وهناك تحدّيان أساسيان يجب أن يواجههما معا جميع المواطنين فى بلادنا: السلام والعنف. فحالة الحروب الصراعات التي نعيشها، تولـّد العنف، ويستغلها الإرهاب العالمي. وكثيرا ما يوحِّد الناس بين الغرب والمسيحية، وينسبون خيارات حكوماته إلى الكنيسة. بينما هذه الحكومات هي حاليا علمانية محضة، وتعارض أكثر فأكثر مبادئ الإيمان المسيحي. فمن المهم أن نشرح هذا الواقع، وأن نوضّح معنى العلمانية الإيجابية التي تميّز بين السياسة والدين.
وفي هذه الظروف، على المسيحي الواجب والرسالة أن يعرض وأن يعيش قيم الإنجيل. وأيضا أن يقول الحق في وجه الظلم والعنف. إن أسلوب السلام هو الأسلوب الوحيد الواقعي، لأن العنف لم يجلب سوى الفشل والكوارث. وصناعة السلام تتطلب الكثير من الشجاعة. والصلاة من أجل السلام ضرورية، لأنه قبل كل شيء عطية من الله.
1- التباس الحداثة (103-105)
تؤثر الحداثة والعولمة والعلمنة على المسيحيين في مجتمعاتنا. فقد اجتاحت الحداثة مجتمعاتنا كلها، خاصة بواسطة القنوات العالمية للتلفاز والانترنت. ومن هنا جاءت قيم جديدة، وإنما ضاعت قيم أخرى. فهي واقع ملتبَس.� إنها تجذب من جهة، بما تعِد به من الرفاهية، والتحرير من التقاليد، والمساواة، والدفاع عن حقوق الإنسان، وحماية الضعفاء. ومن جهة أخرى، يرى كثير من المسلمين فى الحداثة وجها إلحاديا وغير أخلاقي، وغزوا ثقافيا يحمل تشويشا وتهديدا، لدرجة أن البعض راحوا يحاربونها بكل قواهم.
وتتضمّن الحداثة خطرا أيضا على المسيحيين، إذ تأتى بخطر المادية، والإلحاد العملي، والنسبية، واللامبالاة، فتهدّد عائلاتنا ومجتمعاتنا وكنائسنا. فعلينا، في مؤسَّساتنا التربوية وفي وسائل الإعلام، أن نقوم بتكوين أشخاص قادرين على التمييز، لكي لا يختاروا إلا الأفضل. يجب أن نذكّر بمكان لله في الحياة الشخصية، والعائلية، والكنسية، والمدنية، وأن ننقطع أكثر للصلاة.
2- المسلمون والمسيحيون معا على الطريق المشترك (106-110)
من هنا، فمن واجبنا جميعا،� مسلمين ومسيحيين، بصفتنا مواطنين، أن نعمل معا في سبيل الخير العام. وبالإضافة إلى ذلك، على المسيحيين، بدافع رسالتهم، أن يساهموا في بناء مجتمع يطابق أكثر قِيم الإنجيل، وخاصة العدالة والسلام والمحبة. وبذلك نقتفي مِثال وآثار أجيال من المسيحيين، قاموا بدور أساسي في بناء مجتمعاتهم. وكثيرون منهم كانوا روّادا لنهضة الثقافة والأمة العربية. واليوم أيضا، وبالرغم من عددهم المحدود، فان دورهم معروف ويحظى بالتقدير، خاصة في مجالات التربية، والثقافة، والتنمية الاجتماعية. وينبغي أن نشجّع العلمانيين على مزيد من الالتزام في المجتمع.
تؤكد كافة الدساتير المساواة بين المواطنين. ولكن، في الدول ذات الأغلبية الإسلامية، مع استثناءات قليلة، الإسلام هو دين الدولة، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وفي بعض البلاد أو في أقسام منها، تُطبَّق الشريعة على جميع المواطنين. وفيما يخص الأحوال الشخصية، تقرّ بعض البلاد الشرائع الخاصة بالطوائف المسيحية، وتعترف السلطات المدنية بمحاكمهم في هذا المجال. وفي بلاد أخرى، تتولى المحاكم الاعتيادية تطبيق الشرائع الخاصة بالمسيحيين. إن حرية العبادة مكفولة، وإنما ليس حرية الضمير. ومع تصاعد الأصولية تزداد� الهجمات على المسيحيين.
ز- إسهام المسيحيين إسهام نوعي ولا غنى عنه (111-117)
إن إسهام المسيحي في مجتمعه إسهام نوعي ولا غنى عنه. فهو بشهادته وأعماله، يثريه بالقِيم التي حملها المسيح للبشرية. وكثير من هذه القِيم يتلاقى مع قِيم المسلمين. ومن هنا إمكانية وفائدة العمل معا على تنميتها. ويجب أن يكوّن التعليم المسيحي المؤمنين ليصبحوا مواطنين فعّالين. ولكن الالتزام الاجتماعي والسياسي الخالي من القيم الإنجيلية، إنما هو شهادة مضادة.
وفي وسط الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يقدر ويلزم المسيحي أن يقدّم إسهامه الخاص من أجل العدالة والسلام، بأن يشجب كل ألوان العنف، وأن يشجّع الحوار، وأن يدعو إلى المصالحة، المبنية على الصفح المتبادل، بقوة الروح القدس. إنه السبيل الوحيد لخلق واقع جديد. إن إسهام المسيحيين كفيل بأن يشجّع المسئولين السياسيين على اتخاذ هذا القرار. ومن واجب المسيحي أن يعمل أيضا على مساندة الذين يتألمون بسبب أوضاع الصراعات، وأن يعاونهم على فتح قلوبهم لعمل الروح.
ويختلف تطبيق هذه المبادئ ، وفقا لأوضاع كل بلد.� ومن الأساسي أولا تربية المسيحيين على المساهمة في الخير العام، كواجب مقدس. فيعملون مع الآخرين من أجل السلام، والتنمية، وتآلف العلاقات. ويجتهدون فى تنمية الح
أصحاب السيادة الكرادلة، أصحاب الغبطة البطاركة، أصحاب السيادة المطارنة،الإخوة الأجلاء المندوبون عن الكنائس الشقيقة وعن الجماعات الكنسية،الأخوات والإخوة الأحباء المدعوون والخبراء.
قبل كل شيء، أتقدم بالشكر لقداسة الحبر الأعظم، الذي كلفنى بمهمة المقرّر العام لهذه الجمعية. إنها المرة الأولى، التي أتولى فيها مهمّة مهيبة كهذه، وسأبذل كل جهدي للقيام بها على أفضل وجه، معتمدا على نعمة الرب وعلى سماحتكم.
تقديم
يخبرنا القديس لوقا، في كتاب أعمال الرسل، أن يسوع، في اللحظة التي أزمع فيها أن يترك خاصته، ترك لهم هذه الوصية: "ولكن الروح القدس يحل عليكم ويهبكم القوة، وتكونون لي شهودا في أورشليم واليهودية كلها والسامرة، حتى أقاصي الأرض" (أعمال 1 : .
وقام الرسل بهذه الرسالة منذ حلول الروح القدس عليهم، وأخذوا يعلنون بلا خوف بشرى إنجيل حياة وموت وقيامة الرب (راجع أعمال 2 : 32). وكانت ثمرةَ أول خطبة ألقاها بطرس الرسول، اهتداء وتعميد حوالي ثلاثة آلاف نفس، ومن بعدهم العديد من الناس. فتبدّلت حياتهم تماما: "وكانت جماعة المؤمنين قلبا واحدا وروحا واحدة، لا يدّعي أحد منهم مِلكَ ما يخصّه، بل كانوا يتشاركون في كل شيء لهم" (أعمال 4 : 32).
ولقد ألهمت تلك الأحداث المؤسِّسة موضوع وأهداف هذه الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط: الشركة والشهادة، الشهادة الجماعية والشخصية، النابعة من حياة متأصّلة في الميسح، ينعشها الروح القدس. وكان نموذج كنيسة الآباء الرسل هذا مثالا للكنيسة عِبر العصور. وتهدف جمعيتنا السينودسية هذه إلى مساعدتنا على العودة إلى هذا المثال، لمراجعة حياة، تمنحنا انطلاقة جديدة، وحيوية متجددة، تطهّرنا وتجدّدنا وتقوّينا.
لقد تسلمنا ورقة العمل لهذه الجمعية الخاصة، من يد قداسة الحبر الأعظم شخصيا، فى زيارته الرسولية لجزيرة قبرص، معبّرا بذلك عن اهتمامه الخاص بكنائسنا. والاحتفال الافخارستي الذي ترأسه قداسته صباح الأمس، هو أفضل عربون عن بركة الرب لهذه الجمعية. وإذ نحن واثقون من هذه المساندة الإلهية، ومتكلون على تعضيد ومرافقة السيدة مريم العذراء، فإننا ننطلق إلى العمل بكل ثقة.
مقدمة
لقد استقبلنا جميعا نبأ انعقاد هذه الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة، بمزيد من الفرح والحماس والامتنان والحرارة. ولمسنا في ذلك، من لدن الأب الأقدس، قبولا وتفهّما أبويا لأمنية عزيزة علينا، واهتماما خاصا من أسقف روما بكنائسنا، بصفته الراعي الأعظم للكنيسة الكاثوليكية. وكنا قد سبق ولمسنا هذا الاهتمام الخاص، في العديد من المناسبات، وبتواتر في خطابات وعظات قداسته. ولمسناه بشكل خاص في زياراته الرسولية لتركيا (2006)، ثم للأردن وإسرائيل وفلسطين (2009)، وحديثا لقبرص (2010). بيد أن حضور الأب الأقدس في وسطنا الآن يغمرنا بالحب والتضامن، والصلاة والمساندة، من جانب خليفة بطرس الرسول، ومن جانب الكرسي الرسولي، والكنيسة قاطبة.
وبمجرد أن أعلن قداسة البابا عن هذا الحدث، يوم 19 أيلول (سبتمبر) 2009، قامت الأمانة العامة لسينودس الأساقفة، مع المجلس التحضيري من أجل الشرق الأوسط، أولا بإعداد الخطوط العريضة. ثم أّعدّت ورقة العمل في شهر نيسان (أبريل) 2010. وتستند هذه الورقة أولا إلى الكتاب المقدس، كما تشير أساسيا إلى وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني، ومجموعة قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية، والى مجموعة الحق القانوني. وقد حظيت الرسائل العشر الصادرة عن مجلس البطاركة الكاثوليك في الشرق الأوسط باهتمام خاص. وأعتقد أن هذا العمل قد تمّ على أفضل وجه، بالرغم من الاستعجال الذي فرضه ضيق الوقت المُتاح.
وأودّ أن أشير إلى النقاط التالية لنتعمق فيها أثناء عملنا، وذلك رجوعا إلى ورقة العمل.
أ � هدف السينودس (3�6)
لقد أدركت كنائسنا جيدا وبكل تقدير الهدف المزدوج للمجمع الخاص بالشرق الأوسط ، وهو:
1- تثبيت وتقوية المؤمنين في هويّتهم المسيحية، بواسطة كلمة الله والأسرار.
2- إحياء الشركة الكنسية بين الكنائس الكاثوليكية ذات الحكم الذاتي، حتى تستطيع أن تقدّم شهادة حياة مسيحية حقيقية وفعالة. وفي أوضاعنا الحياتية، فإن البعد المسكوني، والحوار الديني، والجانب ألإرسالي، تشكل جزءا أساسيا من هذه الشهادة.
وتلحّ الوثيقة على ضرورة وأهمية أن يزوّد آباءُ السينودس المسيحيين في بلادنا بأسباب وجودهم، لتثبيتهم في رسالتهم أن يكونوا وأن يبقوا شهودا حقيقيين للمسيح القائم من بين الأموات، كلٌ في بلده. ففي وسط الظروف الحياتية، الشديدة الصعوبة أحيانا، والواعدة أيضا، هم أيقونة المسيح المنظورة، والتجسيد الحي لكنيسته، والقناة الحالية لعمل الروح القدس.
ب � تفكير يقوده الكتاب المقدس (7-12)
إننا نشعر بالفخر لانتمائنا إلى الأراضي التي فيها كتب أشخاصٌ الكتبَ المقدسة، بوحي من الروح القدس، في بعض لغاتنا. غير أن ذلك يلقي أيضا على عاتقتنا أعباء متطلبة. فينبغي أن بصبح الكتاب المقدس روح حياتنا الدينية وشهادتنا، وذلك على الصعيد الجماعي كما على الصعيد الفردي. وتشكل الليتورجيا المقدسة مركز وقمة حياتنا الكنسية. وفيها نحتفل بانتظام بكلمة الله ونصغي إليها. وفي ضوء الكتاب المقدس، عندما نقرأه، ونصليه، ونتأمله، مع الجماعة الكنسية، أو في مجموعات صغيرة، أو حتى شخصيا، يلزمنا أن نفتش عن الإجابات عن معنى حضورنا، وشركتنا، وشهادتنا، المناسبة للإطار الحالي، ولتحدّيات الظروف المتجددّة دوما.
وتلفت الوثيقة الانتباه إلى القصور في الجواب على عطش مؤمنينا الشديد إلى كلمة الله، وإلى شرحها وزرعها في قلوبهم وفي حياتهم. ولهذا يجب التفكير في مبادرات مناسبة وكافية، والعمل على نشرها وتشجيعها ومساندتها، مع استخدام وسائل الإعلام الحديثة أيضا. والأشخاص الذين، بحكم دعوتهم، على اتصال مباشر أكبر بكلمة الله، ملتزمون بالشهادة وبالشفاعة من أجل شعب الله. كما أن حفظ النصوص مفيد ومثمر على الدوام.
ينبغي توضيح "تاريخ الخلاص" في تفسيرنا وتقديمنا لمعنى الكتاب المقدس. فهو يكشف المخطط الإلهي الواحد، الذي يتحقق في الزمن، فى رباط وثيق بين العهد القديم والعهد الجديد، ويجد مركزه وقمته في المسيح. وحيث أن الكتاب المقدس هو كتاب الجماعة المسيحية، فلا يمكن فهم النص فهما صحيحا، إلا داخل هذه الجماعة. إن التقليد وتعليم الكنيسة، وبالأخص في بلادنا الشرقية، هما إذاً مرجعان لا غِنى عنهما لفهم وتفسير الكتاب المقدس.
وكلمة الله هي مصدر علم اللاهوت، وعلم الأخلاق، والحياة الروحية، والحيوية الرسولية والإرسالية. إنها تنير الحياة وتحوّلها وتقودها وتثبّتها. ويلجأ بعض الناس الجهلة أو ذوي النوايا السيئة، إلى استخدام الكتاب المقدس ككتاب وصْفات أو لأعمال الشعوذة. فعلينا تربية المؤمنين كي لا ينساقوا خلفهم. إن كلمة الله تنير أيضا الخيارات الجماعية والشخصية، لتجاوب على تحدّيات الحياة، وتلهم الحوار المسكوني والحوار الديني، وتوجّه الالتزام السياسي. فينبغي إذاً أن تصبح مرجعا للمؤمنين في التربية والشهادة. وهكذا ستساعد أيضا الناس ذوي الإرادة الصالحة أن يجدوا سُبُلا مفتوحة في بحثهم عن الله.
أولا: الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط
أ � وضع المسيحيين في الشرق الأوسط
1- لمحة تاريخية موجزة: وحدة في التعدد (13-18)
إن معرفة تاريخ المسيحية في الشرق الأوسط مهمة، ليس فقط بالنسبة إلينا، وإنما أيضا بالنسبة إلى العالم المسيحي بأسره. ففى هذه الأراضي اختار الله الآباء، وموسى، وشعب العهد القديم، وقاد مسيرتهم. وتكلم بواسطة أنبياء، وقضاة، وملوك، ونساء أقوياء في الإيمان. ولما تمّ ملء الزمان، تجسّد فيها يسوع المسيح المخلص، وعاش، واختار تلاميذه وكوّنهم، وأتمّ فيها عمله الخلاصي. وأصبحت كنيسة أورشليم، التي وُلدت يوم العنصرة، مصدر سائر الكنائس الخاصة، التي واصلت، وما زالت تواصل عبر العصور، عمل المسيح، بقوة الروح القدس، بقيادة قداسة البابا خليفة القديس بطرس.
وبعد صراعات صغيرة في بداية مسيرتها، واجهت الكنيسة انقسامات متتالية في مجمعي أفسس (431) وخلقيدونية (451). وهكذا ظهرت "كنيسة المشرق الرسولية الأشورية" و"الكنائس الأرثوذكسية الشرقية": القبطية والسريانية والأرمينية . وفي القرن الحادي عشر وقع الانشقاق الكبير بين روما والقسطنطينية. وكان السبب في هذه الانشقاقات مسائل لاهوتية، غير أن الأسباب السياسية والثقافية لعبت دورا رئيسيا في ذلك. ومن هنا، فعلى الدراسات التاريخية واللاهوتية أن توضّح تلك الحقبات والأحداث المأساوية، في سبيل تعزيز الحوار المسكوني.
وهذه الانقسامات كلها موجودة اليوم أيضا فى بلادنا، كثمرة مُرّة للماضى. ونحمد الله على أن الروح يعمل في الكنائس، لكي تتحقق صلاة السيد المسيح: "ليكونوا واحدا فينا أيها الاب...فيؤمن العالم انك أرسلتني" (يوحنا 17 : 21).
2- الأصل الرسولي والدعوة الإرسالية (19 -23)
كانت كنائسنا، التي باركها حضور السيد المسيح والرسل، مهدا للمسيحية وللأجيال الأولى. ومن هنا كانت دعوتها الخاصة في الحفاظ على ذاكرة الأصول، وتقوية إيمان أبنائها، وإنعاش روح الإنجيل فيهم، ليقود حياتهم وعلاقاتهم مع الآخرين من المسيحيين وغير المسيحيين.
وحيث أنها من أصل رسولي، فعلى كنائسنا رسالة خاصة في البشارة بالإنجيل. ودراسة تاريخ كنائسنا الإرسالي، من شانه أن ينشّط هذا الدفع الإنجيلي، الذي تميّزت به أصولنا. فأن نكون إرساليين واجبٌ مجاني علينا، بصفتنا كنائس متأصلة في الجذور، ومن منطلق تراثنا الغني والمتنوع. فما قبلناه، علينا أن نشارك فيه المحرومين منه. وعلى كنائسنا أن تنعش فيها� الحماس الإنجيلي الإرسالي.
ومن شأن هذا الانفتاح على عمل الروح القدس، أن يساعدنا على مشاركة أبناء أوطاننا العديدين، غِنى الحب ونور الرجاء الذي فينا (راجع رومة 5:5). وبالفعل "فنحن في وسط المجتمع الذي نعيش فيه، علامة حضور الله في عالمنا. وهذا ما يدعونا أن نكون �مع � و�في� و�لأجل� المجتمع الذي نعيش فيه. إنه مطلب أساسي لإيماننا ولدعوتنا ولرسالتنا" [1]. "والكنيسة لا تُقاس عدديا بأرقام، وإنما بما لدى أبائها من وعي حي بدعوتهم وبرسالتهم" [2].
ولتأمين مستقبل جماعاتنا، على الرعاة أن يعطوا عناية خاصة للعمل الراعوى من أجل الدعوات ، بواسطة آليات ملائمة وفعالة، بنوع خاص تجاه الشباب والعائلات. نشكر الله أن عند كنائسنا العديد من الدعوات، غير أن بعض الإيبارشيات تعاني من نقص حاد في الدعوات. فربما ينبغي علينا، أن نعيش البُعد الارسالي أولا بين إيبارشياتنا، وبين كنائس المنطقة. إن أفضل وسيلة لجذب الشباب إلى التكريس التام لله، هو مثال الكهنة والرهبان والراهبات الأتقياء، والفرحين، والمنطلقين، والمتحدين فيما بينهم. وقد يكون هذا السينودس فرصة سانحة لمراجعة أساليب ومناهج الاكليريكيات وبيوت التكوين.
أن التضامن والتعاون بين الرهبانيات و جمعيات الحياة المكرّسة وبين الأساقفة، تساعد على تشجيع الدعوات.وينبغي أن نجد الوسائل الملائمة لتعضيد وتقوية جمعيات ومؤسَّسات الحياة المكرّسة. كما يلزم تشجيع الحياة التأملية حيث توجد. وبواسطة الصلاة، يمكننا أن نمهّد السبيل لعمل الروح القدس، لكي يبعثها حيث لا توجد. وعلى الرهبانيات الموجودة في بلادنا، أن تبادر إلى إنشاء جماعات في أماكن أخرى، أو بلدان أخرى من المنطقة.
3- دور المسيحيين في المجتمع بالرغم من قلة عددهم (24-31)
إن مجتمعاتنا، بالرغم مما يوجد بينها من اختلافات، فهي تتّسم بخصائص مشتركة: كالتمسك بالتقاليد، وأسلوب الحياة التقليدي، والطائفية، والتمييز على أساس الدين. هذه العوامل يمكنها أن تقرّب وتوحّد، غير أنها قد تتسبّب فى التباعد والانقسام. إن المسيحيين هم في بلادهم "مواطنون أصليّون" ، وأعضاء كاملو العضوية في مجتمعاتهم المدنية. إنهم في موطنهم الأصلي، وغالبا منذ حقبات طويلة. إن حضورهم ومشاركتهم في حياة بلادهم كنز ثمين، ينبغي المحافظة عليه وحمايته. إن "العلمانية الايجابية" من شأنها أن تساعد الكنيسة على تقديم مساهمة فعالة ومثمرة، وعلى تقوية المواطنة لدى كل أبناء الوطن، على أساس المساواة والديموقراطية.
تحتاج الكنيسة إلى استخدام وسائل الاتصال الحديثة استخداما أكبر وأفضل، في عملها الرعوي والثقافي والاجتماعي. ولا بد من تكوين الكوادر المتخصصة لهذا الغرض. وعلى المسيحيين الشرقيين أن يلتزموا بالخير العام ، بكل جوانبه، كما فعلوا على الدوام. وفي إمكانهم أن يساعدوا على خلق ظروف اجتماعية، تدعم تنمية الأشخاص والمجتمع، وذلك بالتعاون مع جهود السلطات السياسية. وبالرغم من كونهم أقليات صغيرة، إلا إن حيويتهم متوهّجة وموضع تقدير. إنهم في حاجة إلى التشجيع والمساندة، لمواصلة ذلك حتى في الظروف الصعبة. كما� أن تقوية حياة الإيمان عندهم، وتدعيم الرباطهم الاجتماعي والتضامن فيما بينهم، سيساعدهم كثيرا، دون الانطواء على الذات والوقوع في حالة الخندقة (الجيتو).
وعن طريق عرض التعليم الاجتماعي للكنيسة، نقدّم مساهمة قيّمة لبناء المجتمع. وينبغى أن تشغل تنمية الأسرة والدفاع عن الحياة، مكانة أساسية في تعليم ورسالة كنائسنا. والتربية مجال مميَّز واستثمار كبير فى عملنا الرسولي. وبقدر الإمكان، فلتقدّم مدارسنا� مساعدة أكبر للأكثر احتياجا. وعِبر أنشطتها الاجتماعية والصحية والخيرية، المفتوحة لكافة أعضاء المجتمع، تساهم كنائسنا على نحو ظاهر في تحقيق الخير العام. وهى تقوم بذلك بفضل سخاء الكنائس المحلية، ومحبة الكنيسة الجامعة. ولكي تضمن مصداقيتها الإنجيلية، ينبغي على الكنيسة أن تستخدم الوسائل التي توفّر الشفافية في إدارة أموالها، مع التمييز الواضح بين ما يخصّها، وما يخصّ الأشخاص العاملين فيها. ولا بد من وضع لوائح و آليات خاصة بذلك.
ب � التحديات التي تواجه المسيحيين
1- الصراعات السياسية في المنطقة (32-35)
تؤثّر الأوضاع السياسية والاجتماعية في بلادنا تأثيرا مباشرا على المسيحيين، الذين يشعرون بقوة أكبر، بتبعاتها السلبية. ففي الأراضي الفلسطينية الحياة صعبة للغاية، وأحيانا غير محتملة. إن وضع المسيحيين العرب هناك حرج جدا. ومع تنديدنا بالعنف أيا كان مصدره، ومع دعوتنا إلى ضرورة إيجاد حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فإننا نعبّر عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني، الذى يتسبّب وضعه الراهن فى تعزيز الأصولية. إن الإصغاء إلى المسيحيين هناك قد يساعد أكثر على فهم الأوضاع. وبالنسبة إلى وضع أورشليم، ينبغى أن يوضع في عين الاعتبار أهميتها للديانات الثلاث: المسيحية والإسلامية واليهودية.
وإنه لمن المؤسف ألا تبالي السياسة العالمية بالقدر الكافي بأوضاع المسيحيين المأساوية في العراق، وهم الضحية الرئيسية للحرب وتوابعها. وفي لبنان، فان المزيد من الاتحاد بين المسيحيين سوف� يساعد على استقرار أكبر في البلاد. وفي مصر، ستربح الكنائس كثيرا من تنسيق مجهوداتها، من أجل تقوية الإيمان لدى المسيحيين، وإنجاز أعمال مشتركة لصالح البلاد.
ووفقا للإمكانيات المتاحة في كل بلد، يتحتم على المسيحيين تعزيز الديموقراطية، والعدالة والسلام، والعلمانية الايجابية، في التمييز بين الدين والدولة، واحترام كل الديانات. إن التحلي بموقف الالتزام الايجابي في المجتمع هو الإجابة البناءة، سواء تجاه المجتمع، أم تجاه الكنيسة.
2- الحرية الدينية وحرية الضمير (36-40)
إن حقوق الإنسان هي الأساس الذي يضمن خير الإنسان الشامل، بصفته معيار كل نظام سياسي واجتماعي. وينبع ذلك من نظام الخلق نفسه. فمن لا يحترم خليقة الله، وفقا للنظام الذي وضعه هو، لا يحترم الخالق. و يتطلب تعزيز حقوق الإنسان السلام والعدالة والاستقرار.
والحرية الدينية هي أحد المكوّنات الأساسية لحقوق الإنسان. وما حرية العبادة إلا مظهر من مظاهر الحرية الدينية. وهي مكفولة في معظم بلداننا بقوة الدستور. وبالرغم من ذلك، فان ثمة بعض القوانين أو الممارسات، التي تحدّ من تطبيقها في بعض البلاد. والمظهر الآخر للحرية الدينية هو حرية الضمير، المبني على الاختيار الحر للشخص. وغيابها يقف حائلا في وجه الاختيار الحر لأولئك الذين يرغبون الانضمام للإنجيل، وإنما يخشون الإجراءات التعسّفية ضد أشخاصهم و ضد عائلاتهم. ولا يمكن لحرية الضمير أن توجد وتنمو إلا بمقدار نمو احترام حقوق الإنسان في جملتها وكاملها.
وتسهم التربية فى هذا الاتجاه إسهاما ثمينا في التقدم الثقافي للبلاد، لمزيد من العدالة والمساواة تجاه الحقوق. وتشجب الكنيسة الكاثوليكية بشدة كل أنواع الاستقطاب (الاقتناص). وتجدر مناقشة هذه المسائل بهدوء، في إطار مؤٍسّسات وآليات الحوار، بنوع خاص في داخل كل بلد. والمؤسّسات التربوية المتعددة الموجودة في كنائسنا، هي وسيلة مميَّزة لتعزيز هذه التربية. كما أن المراكز الصحية والخدمات الاجتماعية تشكل بدورها شهادة بليغة عن محبة القريب، بدون أدنى تمييز أو تفرقة. وتثمين الأيام والأحداث والاحتفالات المحلية والدُولية المخصّصة لهذه القضايا، يساعد على نشر وتقوية تلك الثقافة. ويلزم استخدام وسائل الإعلام لنشر هذه الروح.
3- المسيحيون وتطوّر الإسلام المعاصر (41-42)
نلاحظ تصاعد الإسلام السياسي في المنطقة، اعتبارا من السنوات 1970، ويشمل تيارات دينية مختلفة. وهو يؤثر على وضع المسيحيين، خاصة في بلاد العالم العربي. إنه يسعى إلى فرض أسلوب حياة إسلامي على كل المواطنين، وأحيانا عن طريق العنف. وبالتالي فهو يشكل تهديدا للجميع، وعلينا أن نواجه معا هذه التيارات المتطرفة.
4- الهجرة (43-48(
بدأت الهجرة في الشرق الأوسط قرب نهاية القرن التاسع عشر لأسباب سياسية واقتصادية. وكان للصراعات الدينية دور حاسم في بعض الحقبات العصيبة. وقد تزايدت الهجرة حاليا في بلداننا. أما الأسباب الرئيسية فهي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وحرب العراق، والأوضاع السياسية والاقتصادية، وتصاعد الأصولية الإسلامية، وتقييد الحريات والمساواة. وأغلب المهاجرين هم من بين الشبان والمثقفين والأثرياء، مما يحرم الكنيسة والوطن من موارد قيّمة.
ويرجع إلى المسئولين السياسيين أن يوطدوا السلام والديموقراطية والتنمية، لكي يعززوا مناخا من الاستقرار والثقة. والمسيحيون وكل ذوي الإرادة الصالحة، مدعوون إلى الالتزام إيجابيا بتحقيق هذا الهدف. كما أن حث المؤسّسات العالمية على واجب تقديم المزيد من المساهمة في تنمية بلادنا، سوف يساعد كثيرا في هذا الاتجاه. ويمكن للكنائس المحلية في الغرب أن تؤثر كثيرا في هذا العمل، وبطريقة مفيدة وفعالة. ومن واجب الرعاة أن يجعلوا مؤمنينهم أكثر وعيا بدورهم التاريخي. إنهم حاملو رسالة المسيح في بلادهم، حتى في وسط الصعوبات والاضطهادات. وغيابهم سيكون له أثره السلبي الخطير على المستقبل. ومن المهم أن نتجنب كل أسلوب مُحبِط، أو أن نشجّع الهجرة بمثابة اختيار أفضل.
ومن جهة أخرى، تشكل الهجرة مصدر دعم هام للوطن وللكنيسة. وينبغي على كنيسة بلد المنشأ، أن تجد الوسائل للحفاظ على الروابط القوية مع أبنائها المهاجرين، وأن تضمن لهم الخدمة الروحية. ولا بد من تأمين الاحتفال بالليتورجيا، في طقسهم الخاص، لمؤمني الكنائس الشرقية الموجودين في مناطق الطقس اللاتيني. أما تصفية الممتلكات في الموطن الأصلي فهو أمر مؤسف. في حين أن الاحتفاظ بها، أو اقتناء عقارات جديدة، سوف يشجّع على العودة. وعلى جماعات الانتشار أن تشجّع وتقوّي الحضور المسيحي في الشرق، بهدف تقوية شهادتهم، والدفاع عن قضاياهم، لخير الوطن. ولا بد من وجود رعويات مناسبة تهتم بالهجرة الداخلية في كل بلد.
5- الهجرة المسيحية الدُولية الوافدة في الشرق الأوسط (49-50)
عرفت بلدان الشرق الأوسط ظاهرة أخرى هامة: استقبال أعداد كبيرة من العمالة الوافدة من البلاد الأفريقية والأسيوية، ومعظمهم من النساء. وكثيرا ما يتعرضون لمواقف ظلم واستغلال مخالفة للمواثيق والشرائع الدُولية. فينبغي على كنائسنا أن تبذل مجهودا أكبر لمساعدتهم، عبر استقبالهم ومرافقتهم الدينية والاجتماعية. إنهم في حاجة إلى رعويات خاصة، بالتنسيق بين الأساقفة والجمعيات الرهبانية والمنظمات الاجتماعية والخيرية.
ج- ردود المسيحيين في حياتهم اليومية (51-53)
إن الشهادة المسيحية، على كافة المستويات، هي الإجابة الأساسية في الظروف التي يعيشها المسيحيون. ومنذ الأصول، تحتل الحياة الرهبانية مكانة هامة فى ذلك. فحياة الصلاة والتأمل لها أيضا رسالة التشفع من أجل الكنيسة والمجتمع.
والسعي إلى جعل الشهادة المسيحية أفضل وأكمل، بإتباع يسوع المسيح أكثر فأكثر، إنما� هو ضرورة ملحة على كافة المستويات: للاكليروس، والرهبانيات وجمعيات ومؤسسات الحياة الرسولية، وكذلك للعلمانيين، كل وفقا لدعوته الخاصة. وينبغي أن يعمل تكوين الاكليروس والمؤمنين، وكذلك العظات، والتعليم الديني، على تعميق وتقوية معنى الإيمان، وعلى الوعي بدورنا ورسالتنا في المجتمع، كترجمة وشهادة لهذا الإيمان. ولا بد من تحقيق تجديد كنسي: الاهتداء والتطهير، والتعمق الروحي، وتحديد أولويات الحياة والرسالة.
ولا بد من مضاعفة الجهود لاكتشاف وتكوين "الكوادر" اللازمة، على كافة الأصعدة. وينبغي أن يكونوا مثالا للشهادة، لكي يساندوا ويشجّعوا إخوتهم وأخواتهم، وخاصة في الأوقات الصعبة. ويجدر بنا أيضا أن نعمل على تكوين كوادر قادرة على عرض المسيحية، سواء للمسيحيين الذين ليست لديهم روابط كافية مع الكنيسة، أو البعيدين عنها، أو لغير المسيحيين. ونوعية الكوادر أهم بكثير من عددها. كما أن التكوين الدائم أمر لا غنى عنه. ولا بد من إحاطة الشبان باهتمام خاص، إذ هم قوة الحاضر ورجاء المستقبل. وينبغي تشجيع المسيحيين على الالتزام في المؤسسات العامة، لبناء المجتمع .
ثانيا : الشركة الكنسية
إن التنوّع في الكنيسة الكاثوليكية، بعيدا عن أن يضير بوحدتها، فانه يبرز قيمتها. وأساس الشركة المسيحية هو سر الثالوث الأقدس. والكنيسة هي سر الشركة. وتقوم المحبة في محور هذه الحقيقة: "هذه هي وصيتي: أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا" (يوحنا 12:15). ولما كنا نواجه على الدوام تحدّي التعدّدية، فإننا مدعوون إلى اهتداء مستمر، لكي نعبر من عقلية الطائفية إلى الحسّ الحقيقي بالكنيسة.
أ- شركة داخل الكنيسة الكاثوليكية وبين الكنائس المختلفة (55-56)
إن العلامات الرئيسية التي تُظهِر الشركة داخل الكنيسة الكاثوليكية هي: العماد، والافخارستيا، والشركة مع أسقف روما، خليفة هامة الرسل. وقد حدّدت مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية الجوانب القانونية لهذه الشركة. كما أن مجمع الكنائس الشرقية، والدوائر الرومانية المختلفة، هي أيضا في خدمة هذه الشركة.
وعلى مستوى العلاقات بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية، تظهر هذه الشركة من خلال هيئة بطاركة الشرق الكاثوليك. إن رسائلهم الراعوية هي وثائق ذات قيمة كبرى وأهمية راهنة. وفي داخل كل بلد، تتوطد هذه الشركة عِبر مجلس البطاركة والأساقفة، أو مجلس الأساقفة. إنها، بروح الأخوة والتعاون، تدرس المسائل المشتركة، وتقدّم التوجيهات لتقوية الشهادة المسيحية، وتنسّق الأنشطة الراعوية. ومن المحبَّذ أن يتم لقاء يجمع كل أساقفة الشرق الأوسط، بصورة دورية يحدّدها مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك. إن الكنائس ذات الحكم الخاص مفتوحة كلها أمام جميع الكاثوليك، إلا انه ينبغي الحرص بعناية على عدم إبعادهم عن كنيستهم الأصلية.
وتجدر الإشارة كذلك إلى العلاقات بين كنائسنا الشرقية وكنيسة التقليد اللاتيني (كنيسة الغرب"). إننا نحتاج بعضنا لبعض. نحتاج إلى صلواتها، وتضامنها، وإلى خبرتها الروحية، واللاهوتية، والثقافية، الطويلة والغنية. وهي أيضا في حاجة إلى صلواتنا، والى مثال أمانتنا لتراث أصولنا الغني والمتنوع، والى وحدتنا في التنوع والتعدّد. "إن الكنز القديم والحي لتقاليد الكنائس الشرقية يُغني الكنيسة الجامعة، ولا ينبغي إطلاقا اعتباره حقائق يجب الاحتفاظ بها فحسب" [3]. والشركة بين الكنائس لا تعني أبدا توحيد الشكل، وإنما المحبة المتبادلة، وتبادل الهبات.
ب- الشركة بين الأساقفة والاكليروس والمؤمنين (57-62)
وفي داخل الكنيسة الواحدة، تقوم الشركة على غرار الشركة مع الكنيسة الجامعة ومع أسقف روما. ففي الكنيسة البطريركية، تتجلى في سينودس الأساقفة حول البطريرك، أب ورأس كنيسته. وفي الإيبارشية، تتمّ حول الأسقف، الذي ينبغي عليه أن يسهر على التناغم بين الجميع. وتساعد آليات العمل الجماعي والتنسيق الراعوي على تقوية الشركة. وهى لا يمكن أن تتحقق إلا على أساس الوسائل الروحية، وخاصة الصلاة، والإفخارستيا، وكلمة الله. وعلى الرعاة، والمكرَّسين، والقادة والمسئولين على مستوى الإيبارشية والرعية، مسئولية جسيمة أن يكونوا نموذجا ومثالا للآخرين. ويقدّم لنا هذا السينودس فرصة لمراجعة جادّة لحياتنا، في سبيل اهتداء فعلي. ويستنير موضوعه من مثال الجماعة المسيحية الأولى: "وكان جماعة المؤمنين قلبا واحدا وروحا واحدا".
إن اشتراك المؤمنين العلمانيين في حياة ورسالة الكنيسة هو من المتطلبات الرئيسية للشركة. وقد تخفى التنظيمات الظاهرية واقعا سلبيا أو دورا تنفيذيا بحتا. فلا بد أن يشترك العلمانيون اشتراكا فعليا في التفكير والتقرير والتنفيذ. وبالاتحاد مع الرعاة، يلزم تشجيع مبادراتهم الراعوية الجيّدة والإيجابية، وكذلك التزامهم في خدمة المجتمع.� كما ينبغى تثمين وتوسيع دور المرأة، المكرَّسة والعلمانية،� في الكنيسة. وكذلك يجب أن تأخذ المجالس الراعوية دورها الهام، على صعيد الرعية، والإيبارشية، والوطن. وينبغي على الجمعيات والحركات الرسولية الدُولية، أن تتواءم أكثر مع عقلية وتقاليد وثقافة ولغة الكنيسة والبلد الذي يستقبلها، وأن تعمل في تنسيق تام مع الأسقف المحلي. كما نوصى بقوّة باندماجها في التقليد الشرقي. وينطبق هذا أيضا على الجمعيات الرهبانية ذات الأصل الغربي.
ثالثا : الشهادة المسيحية
أ- الشهادة في الكنيسة: التعليم المسيحي
1- تعليم مسيحي لوقتنا الحاضر، بواسطة مؤمنين مؤهَّلين جيدا (62-64)
أن يكون المرء مسيحيا يعني أن يكون شاهدا ليسوع المسيح، يحييه و يقوده الروح القدس. فالكنيسة موجودة لكي تشهد لربها. هذه هى بشارتها الأساسية.� وتنتقل هذه الشهادة عِبر القدوة، والأعمال، والتعليم المسيحي، وخاصة التنشئة على الإيمان و الأسرار المقدسة.� ويلزم أن تتّجه إلى جميع الأعمار، الأطفال والشباب والبالغين. وبعد إعداد جيد، يمكن أن يقوم بعض الشباب بالتعليم المسيحي لغيرهم من الشباب. كما يمكن أن يشترك بعض الوالدين، بعد إعداد جيد، في مهمة التعليم المسيحي، في إطار الأسرة والرعية. كما أن المدارس الكاثوليكية والجمعيات والحركات الرسولية هى مواضع مميَّزة لتعليم الإيمان.
إن وجود المرشد الروحي بالقرب من الشبان والفئات العُمرية الأخرى، ومساندته لهم، هو عون ثمين للتكوين الديني، يعزّز تطبيق الإيمان على الحياة الواقعية. وفي الرعايا والمؤسسات التربوية والثقافية، ينبغي أن يشغل التكوين الديني مكانا مناسبا، وان يتناول المشاكل الحقيقية والتحدّيات الحالية. ويلزم أن نضمن التكوين الجيد لمربي الإيمان. وبدون شهادة حياتهم، سيظل عمل معلمي الدين عقيما. فإنهم، قبل كل شيء، شهود للإنجيل. ويجب كذلك أن ينمّي التعليم المسيحي القيم الأخلاقية والاجتماعية، واحترام الآخر، وثقافة السلام واللاعنف، وكذلك الالتزام بالعدالة والحفاظ على البيئة. إن تعليم الكنيسة الاجتماعي، الغائب غالبا، هو جزء لا يتجزأ من تربية الإيمان.
2- طرق التعليم المسيحي (65-69)
لا يمكن أن يقتصر التعليم المسيحي اليوم على التلقين الشفهي. ولا بد من استخدام الوسائل الفاعلة. ويحب الأطفال والشباب العمل في مجموعات: ليتورجية، رياضية، موسيقية، كشفية وغيرها. وينبغي عمل مثل هذه المجموعات في الأماكن حيث لا توجد. وإنما يجب الحذر من أن تتحوّل الى مجرد أنشطة اجتماعية، بلا مساحة لتربية الإيمان.
إن وسائل الإعلام الحديثة وسائل فعالة للغاية، لإعلان الإنجيل والشهادة له.� وتحتاج كنائسنا إلى أشخاص متخصّصين في هذه المجالات. وربما كان علينا أن نشجّع الموهوبين من بينهم، لينالوا التكوين اللازم، ومن ثم نكلفهم بهذا العمل. وفي لبنان، يقدّم صوت المحبة، وبالأكثر تلى لوميير/ نورسات خدمة كبرى للمسيحيين فى منطقتنا، تصل أيضا إلى مختلف القارات. ولقد قامت بلدان أخرى بمبادرات مماثلة. وتحتاج جميعها إلى المساندة والتشجيع.
ويجب أن يضع التعليم المسيحي في عين الاعتبار، مناخ الصراعات الذي يسود بلادنا. فيعمل على تقوية المسيحيين في الإيمان، ويربّيهم على عيش وصية المحبة، ليكونوا صانعي سلام وعدالة وصفح. كما إن الالتزام في الحياة العامة واجب، تفرضه الشهادة ورسالة بناء ملكوت الله. و هذا كله يتطلب التكوين على تخطي الطائفية، والعصبيات، والعداوات الداخلية، لكي نرى وجه الله في كل شخص، وأن نتعاون معا لنبني مستقبلا، يقوم على السلام والاستقرار والرخاء.
ب- ليتورجيا مجدَّدة وأمينة على التقليد (70-75)
إن الليتورجيا "هي القمة، التي يتجه نحوها عمل الكنيسة، وهي في الوقت نفسه الينبوع، الذي تتدفق منه كل قوتها" [4]. وتشغل الليتورجيا مركز الحياة الدينية في كنائسنا الشرقية. إنها تلعب دورا هاما في المحافظة على الهوية المسيحية، وفي تقوية الانتماء إلى الكنيسة، وفي إنعاش حياة الإيمان، وفي جذب اهتمام الذين ابتعدوا عن الإيمان، بل وغير المؤمنين أنفسهم. فهي بالتالي تشكل إعلانا وشهادة هامين، عن كنيسة تصلى، وليس فقط تعمل.
والتجديد الليتورجي مطلوب كثيرا. ومع بقائه متأصلا في التقليد، يجب أن يراعي الحساسية الحديثة، والاحتياجات الروحية والراعوية الحالية. ولا بد من تشكيل لجنة من الخبراء للقيام بمهمة التجديد الليتورجي.� كما يتضح أنه يلزم وضع صياغة ملائمة للنصوص الليتورجيا، في الاحتفالات الطقسية الخاصة بالأطفال والشباب، مستوحاة من التراث الخاص بكل كنيسة.� ومن الضروري أن يقوم بهذا العمل مجموعة أشخاص من مختلف التخصصات. والتجديد الليتورجي مطلوب أيضا للصلوات التقوية. وفي كل هذا العمل الخاص بالتجديد الليتورجي، يجب مراعاة البُعد المسكوني. وموضوع المشاركة في الأسرار موضوع شائك يتطلب دراسة خاصة.
ج- المسكونية (76-84)
"ليكونوا واحدا...حتى يؤمن العالم"(يوحنا 17:21). هذه الصلاة، التي قالها يسوع المسيح، ينبغي أن يواصلها تلاميذه في كل وقت. فانقسام المسيحيين يضاد إرادة المسيح، ويشكل عثرة للعالم، وعائقا أمام إعلان الإنجيل والشهادة. وترتبط الرسالة و المسكونية ارتباطا وثيقا الواحدة بالأخرى. إن الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية لديها الكثير من العناصر المشتركة، إلى درجة أن الباباوات� بولس السادس ويوحنا بولس الثاني وبنديكتوس السادس عشر، تحدّثوا عن " شركة كاملة تقريبا". وهذا هو ما ينبغي أن نركز عليه، أكثر من التركيز على الاختلافات. والمعمودية هي أساس العلاقات مع الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى. وبفضلها يصبح من الممكن والضروري القيام بالعديد من الأعمال والمبادرات المشتركة. ويجب أن تكون المسكونية ضمن التعليم المسيحي، بشكل واضح وصريح. كما يلزم الامتناع عن أي عمل، أو إصدار أية منشورات ، جارحة أو مزعجة
ولا بد من بذل مجهود صادق للتغلب على الأحكام المسبَّقة، والتوجه صوب الشركة الكاملة في الإيمان والأسرار والخدمة الرسولية. ويتم هذا الحوار على عدة مستويات. فعلى المستوى الرسمي، يقوم الكرسي ألرسولي بمبادرات مع جميع كنائس الشرق، تشارك فيها الكنائس الشرقية الكاثوليكية. وينبغي أن نجد صيغة جديدة لممارسة "الأولية"، دون التخلي عما هو أساسي في مهمّة أسقف روما [5]. ومن المُحبَّذ، إنشاء لجان محلية للحوار المسكوني. وسوف تساعدنا دراسة تاريخ الكنائس الشرقية الكاثوليكية، وكذلك تاريخ الكنيسة اللاتينية، على توضيح السياق والعقلية والرؤية، المتعلقة بقيامها.
ويتطلب العمل المسكوني سلوكا مناسبا: الصلاة، والاهتداء، والسعي إلى القداسة، وتبادل العطايا، بروح الاحترام، والصداقة، والمحبة المتبادلة، والتضامن، والتعاون. وينبغي اكتساب وتدعيم هذا السلوك، بواسطة التعليم ووسائل الإعلام المتنوعة. والحوار هو الوسيلة الرئيسية للعمل المسكوني. ويتطلب موقفا إيجابيا من التفاهم، والإصغاء، والانفتاح على الآخر. وسوف يساعد ذلك على التغلب على عدم الثقة، وعلى العمل معا في سبيل تنمية القيم الدينية، وعلى المشاركة في مشاريع المنفعة الاجتماعية. وينبغي أن نواجه معا المشاكل المشتركة.
ويلزم تدعيم المبادرات والهيكليّات، التي تعبّر عن الوحدة وتدعمها، كمجلس كنائس الشرق الأوسط، وأسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين. ويُعتبر "تطهير الذاكرة" خطوة هامة في السعي نحو الوحدة الكاملة. كما أن الاشتراك والتعاون في الدراسات الكتابية، واللاهوتية، والآبائية، والثقافية، يعزز روح الحوار، كذلك يمكن القيام بعمل مشترك، لتكوين خبراء في وسائل الإعلام باللغات المحلية. وفى البشارة والرسالة، ينبغي أن نتجنّب بعناية كل أشكال الاستقطاب (الاقتناص)، وكل وسيلة تتعارض مع الإنجيل. ويجب بذل الجهد من أجل توحيد الاحتفال بعيدي الميلاد والفصح.
د- العلاقات مع اليهودية
1- المجمع الفاتيكاني الثاني: الأساس اللاهوتي للعلاقة باليهودية (85-87)
يتناول تصريح المجمع الفاتيكاني الثاني " في عصرنا" علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية، وفيه تشغل اليهودية مكانا مميَّزا. ويدخل هذا التصريح فى إطار دستورين عقائديين: "نور الأمم" عن الكنيسة، و"كلمة الله" عن الوحي الإلهي. تؤكد الوثيقة الأولى أن شعب العهد القديم نال العهود والمواعيد، وأن المسيح جاء بالجسد من هذا الشعب، الذي يستمر في شعب العهد الجديد، وتعلن صور العهد القديم عن الكنيسة. وتعتبر الوثيقة الثانية العهد القديم بمثابة تمهيد للإنجيل، وجزء لا يتجزأ من تاريخ الخلاص.
2- تعليم الكنيسة الراهن (88 -89)
وعلى أساس هذه المبادئ اللاهوتية، انطلقت مبادرات للحوار، على مستوى الكرسي الرسولي وعلى صعيد الكنائس المحلية. غير إن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يلقي ظلاله على العلاقات بين المسيحيين واليهود. ولقد عبّر الكرسي الرسولي عن موقفه من ذلك مرات عديدة ، وبالأخص بمناسبة� زيارة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر للأراضي المقدسة عام 2009.
فقد أكد للفلسطينيين حقهم في وطن ذي سيادة، يتمتع بالأمان والسلام مع جيرانهم، داخل حدودٍ مُعترف بها دُوليا [6]. وصرّح أيضاً في مدينة أورشليم، تُدعى هذه المدينة أمَّ جميع الناس. ويمكن أن يكون للأم العديد من الأبناء، الذين ينبغي عليها أن تجمعهم لا أن تفرّقهم [7]. وللإسرائيليين تمنّى قداسته أن يعيش الشعبان معا في سلام، كلٌ في وطنه، داخل حدود آمنة، مُعترف بها دُوليا [8]. وقال لرئيس دولة إسرائيل: "ترتكز قضية الأمن الدائم على الثقة، وتتغذى من منابع العدالة والنزاهة، وتترسّخ باهتداء القلوب" [9]. �
3- الرغبة في الحوار مع اليهودية والصعوبات التي تعترضه (90 � 94)
ترفض كنائسنا المعاداة للسامية ولليهودية. أما الصعوبات في العلاقات بين الشعوب العربية والشعب اليهودي، فترجع بالأحرى إلى الصراعات السياسية. إننا نميّز بين الواقع الديني والواقع السياسي. ورسالة المسيحيين هى أن أن يكونوا صانعي مصالحة و سلام، قائمَين على العدل لكلا الطرفين. وتوجد مبادرات راعوية محلية للحوار مع اليهودية، كالصلاة المشتركة بالأخص انطلاقا من المزامير، وكذلك قراءة وتأمل نصوص الكتاب المقدس.
ويساعد ذلك على خلق استعدادات طيبة، لكي نطلب معا السلام والمصالحة والعفو المتبادل، والعلاقات الجيّدة. وإنما تنشأ مشكلة عندما تتعرض بعض آيات الكتاب المقدس لتفاسير مضللة، تنبع من "ثقافة العنف"، فتبرّره أو تدعمه. إن قراءة العهد القديم والتعمق في معرفة التقاليد اليهودية تساعد على معرفة أفضل للديانة اليهودية. وهى توفّر مناخا مشتركا لدراسات جادة، كما تساهم في معرفة أفضل للعهد الجديد وللتقاليد الشرقية. وهناك إمكانيات أخرى للتعاون في الواقع الراهن.
ه- العلاقات مع المسلمين (95 -99)
وتصريح المجمع الفاتيكاني الثاني "في عصرنا" ، يضع كذلك الأساس لعلاقات الكنيسة الكاثوليكية مع المسلمين. ونقرأ فيه: " تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين، الذين يعبدون الله الأحد، الحي القيوم، الرحيم والكلي القدرة، فاطر السموات والأرض، الذي كلم الناس" [10]. وبعد المجمع تمّت لقاءات عديدة بين ممثلي الديانتين. ويصرّح البابا بندكتوس السادس عشر في مطلع حبريته: "إن الحوار الديني والحوار بين الحضارات، بين المسيحيين والمسلمين، لا يمكن أن يكون مجرد خيار عابر. إنه في الواقع ضرورة حيوية، يتعلق عليها مستقبلنا إلى حد كبير" [11].
وبعد ذلك، قام قداسة البابا بزيارة المسجد الأزرق في اسطنبول بتركيا (30/11/2006)، ولمسجد الحسين بن طلال في عمّان بالأردن، (11/5/2009). كما يعقد المجلس الحبري للحوار بين الأديان لقاءات حوار ذات أهمية قصوى. ونوصى بإنشاء لجان محلية للحوار الديني. وينبغي أن نعطى المكانة الأولى لحوار الحياة، الذي يقدّم مِثال شهادة صامتة بليغة، والذي قد يكون أحيانا الوسيلة الوحيدة لإعلان ملكوت الله. إن المسيحيين الذين يقدّمون شهادة إيمان صادقة، هم وحدهم مؤهَّلون لحوار ديني جدير بالثقة. وكم نحتاج أن نربّي مؤمنينا على الحوار.
وهناك أسباب عديدة تدعو إلى خلق علاقات بين المسيحيين والمسلمين. ففى البلد الواحد، الكل مواطنون ، يتقاسمون اللغة نفسها والثقافة عينها، كذلك الأفراح والآلام ذاتها. أضف إلى ذلك، أن رسالة المسيحيين هى أن يكونوا شهودا للمسيح في مجتمعاتهم. ولقد وجد الإسلام، منذ نشأته، جذورا مشتركة مع المسيحية واليهودية، كما أشار قداسة البابا [12]. وينبغي أن نبرز قيمة الأدب العربي المسيحي أكثر فأكثر.
وليس للإسلام شكل واحد، فهناك تعدّدية فقهية، وثقافية، ومذهبية. وتنشأ صعوبات في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، بسبب أن المسلمين عامةً لا يفصلون بين الدين والسياسة. مما يجعل المسيحيين يشعرون وكأنهم ليسوا مواطنين، في حين أنهم أبناء البلاد قبل مجيء الإسلام بكثير. إننا نحتاج إلى اعتراف ينتقل من التسامح إلى العدالة والمساواة، المؤسَّسة على المواطنة، والحرية الدينية، وحقوق الإنسان. هذا هو أساس وضمان التعايش الجيّد.
وعلى المسيحيين أن يعملوا على التجذّر في مجتمعاتهم بصورة أفضل دائما، وعلى عدم الاستسلام لنزعة الانغلاق على الذات بوصفهم أقلية. عليهم أن يعملوا مع الآخرين من أجل تنمية العدالة، والسلام، والحرية، وحقوق الإنسان، والبيئة، وقِيم الحياة والأسرة. وليواجهوا المشاكل الاجتماعية-السياسية، ليس بمثابة حقوق يطالب بها المسيحيون، إنما بمثابة حقوق عالمية، يدافع عنها المسيحيون والمسلمون معا لخير الجميع. يتحتم علينا أن نخرج من منطق الدفاع عن حقوق المسيحيين، لنلتزم بالعمل لخير الجميع. وعلى الشباب أن يولوا اهتمامهم للقيام بأعمال مشتركة في هذا الاتجاه.
وينبغي تنقية الكتب المدرسية من كل الأحكام المسبَّقة على الآخرين، ومن كل تجريح أو تشويه. بل بالأحرى يجب السعي إلى فهم وجهة نظر الآخر، مع احترام المعتقدات والمُمارسات المختلفة. وعلينا أن نبرز المساحات المشتركة، خاصة على الصعيدين الروحي والأخلاقي. إن السيدة العذراء مريم هى نقطة التقاء ذات أهمية عظمى. والإعلان مؤخرا عن عيد البشارة كعيد قومي في لبنان نموذج مشجِّع. فالدين يبنى الوحدة والوئام، ويعبّر عن الشركة بين الأشخاص ومع الله.
و- الشهادة في المجتمع (100 -110)
وهناك تحدّيان أساسيان يجب أن يواجههما معا جميع المواطنين فى بلادنا: السلام والعنف. فحالة الحروب الصراعات التي نعيشها، تولـّد العنف، ويستغلها الإرهاب العالمي. وكثيرا ما يوحِّد الناس بين الغرب والمسيحية، وينسبون خيارات حكوماته إلى الكنيسة. بينما هذه الحكومات هي حاليا علمانية محضة، وتعارض أكثر فأكثر مبادئ الإيمان المسيحي. فمن المهم أن نشرح هذا الواقع، وأن نوضّح معنى العلمانية الإيجابية التي تميّز بين السياسة والدين.
وفي هذه الظروف، على المسيحي الواجب والرسالة أن يعرض وأن يعيش قيم الإنجيل. وأيضا أن يقول الحق في وجه الظلم والعنف. إن أسلوب السلام هو الأسلوب الوحيد الواقعي، لأن العنف لم يجلب سوى الفشل والكوارث. وصناعة السلام تتطلب الكثير من الشجاعة. والصلاة من أجل السلام ضرورية، لأنه قبل كل شيء عطية من الله.
1- التباس الحداثة (103-105)
تؤثر الحداثة والعولمة والعلمنة على المسيحيين في مجتمعاتنا. فقد اجتاحت الحداثة مجتمعاتنا كلها، خاصة بواسطة القنوات العالمية للتلفاز والانترنت. ومن هنا جاءت قيم جديدة، وإنما ضاعت قيم أخرى. فهي واقع ملتبَس.� إنها تجذب من جهة، بما تعِد به من الرفاهية، والتحرير من التقاليد، والمساواة، والدفاع عن حقوق الإنسان، وحماية الضعفاء. ومن جهة أخرى، يرى كثير من المسلمين فى الحداثة وجها إلحاديا وغير أخلاقي، وغزوا ثقافيا يحمل تشويشا وتهديدا، لدرجة أن البعض راحوا يحاربونها بكل قواهم.
وتتضمّن الحداثة خطرا أيضا على المسيحيين، إذ تأتى بخطر المادية، والإلحاد العملي، والنسبية، واللامبالاة، فتهدّد عائلاتنا ومجتمعاتنا وكنائسنا. فعلينا، في مؤسَّساتنا التربوية وفي وسائل الإعلام، أن نقوم بتكوين أشخاص قادرين على التمييز، لكي لا يختاروا إلا الأفضل. يجب أن نذكّر بمكان لله في الحياة الشخصية، والعائلية، والكنسية، والمدنية، وأن ننقطع أكثر للصلاة.
2- المسلمون والمسيحيون معا على الطريق المشترك (106-110)
من هنا، فمن واجبنا جميعا،� مسلمين ومسيحيين، بصفتنا مواطنين، أن نعمل معا في سبيل الخير العام. وبالإضافة إلى ذلك، على المسيحيين، بدافع رسالتهم، أن يساهموا في بناء مجتمع يطابق أكثر قِيم الإنجيل، وخاصة العدالة والسلام والمحبة. وبذلك نقتفي مِثال وآثار أجيال من المسيحيين، قاموا بدور أساسي في بناء مجتمعاتهم. وكثيرون منهم كانوا روّادا لنهضة الثقافة والأمة العربية. واليوم أيضا، وبالرغم من عددهم المحدود، فان دورهم معروف ويحظى بالتقدير، خاصة في مجالات التربية، والثقافة، والتنمية الاجتماعية. وينبغي أن نشجّع العلمانيين على مزيد من الالتزام في المجتمع.
تؤكد كافة الدساتير المساواة بين المواطنين. ولكن، في الدول ذات الأغلبية الإسلامية، مع استثناءات قليلة، الإسلام هو دين الدولة، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وفي بعض البلاد أو في أقسام منها، تُطبَّق الشريعة على جميع المواطنين. وفيما يخص الأحوال الشخصية، تقرّ بعض البلاد الشرائع الخاصة بالطوائف المسيحية، وتعترف السلطات المدنية بمحاكمهم في هذا المجال. وفي بلاد أخرى، تتولى المحاكم الاعتيادية تطبيق الشرائع الخاصة بالمسيحيين. إن حرية العبادة مكفولة، وإنما ليس حرية الضمير. ومع تصاعد الأصولية تزداد� الهجمات على المسيحيين.
ز- إسهام المسيحيين إسهام نوعي ولا غنى عنه (111-117)
إن إسهام المسيحي في مجتمعه إسهام نوعي ولا غنى عنه. فهو بشهادته وأعماله، يثريه بالقِيم التي حملها المسيح للبشرية. وكثير من هذه القِيم يتلاقى مع قِيم المسلمين. ومن هنا إمكانية وفائدة العمل معا على تنميتها. ويجب أن يكوّن التعليم المسيحي المؤمنين ليصبحوا مواطنين فعّالين. ولكن الالتزام الاجتماعي والسياسي الخالي من القيم الإنجيلية، إنما هو شهادة مضادة.
وفي وسط الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يقدر ويلزم المسيحي أن يقدّم إسهامه الخاص من أجل العدالة والسلام، بأن يشجب كل ألوان العنف، وأن يشجّع الحوار، وأن يدعو إلى المصالحة، المبنية على الصفح المتبادل، بقوة الروح القدس. إنه السبيل الوحيد لخلق واقع جديد. إن إسهام المسيحيين كفيل بأن يشجّع المسئولين السياسيين على اتخاذ هذا القرار. ومن واجب المسيحي أن يعمل أيضا على مساندة الذين يتألمون بسبب أوضاع الصراعات، وأن يعاونهم على فتح قلوبهم لعمل الروح.
ويختلف تطبيق هذه المبادئ ، وفقا لأوضاع كل بلد.� ومن الأساسي أولا تربية المسيحيين على المساهمة في الخير العام، كواجب مقدس. فيعملون مع الآخرين من أجل السلام، والتنمية، وتآلف العلاقات. ويجتهدون فى تنمية الح
مواضيع مماثلة
» تقرير المقرر العام قبل المناقشة صاحب الغبطة أنطونيوس نجيب بطريرك الإسكندرية للأقباط
» بطريرك الأقباط الكاثوليك: لا يوجد طلاق عندنا ولا لعلة الزنا
» حوار مع أبينا البطريرك الكاردينال أنطونيوس نجيب
» زيارة البطريرك الكاردينال الانباء أنطونيوس نجيب
» زيارة البطريرك الكاردينال الانباء أنطونيوس نجيب
» بطريرك الأقباط الكاثوليك: لا يوجد طلاق عندنا ولا لعلة الزنا
» حوار مع أبينا البطريرك الكاردينال أنطونيوس نجيب
» زيارة البطريرك الكاردينال الانباء أنطونيوس نجيب
» زيارة البطريرك الكاردينال الانباء أنطونيوس نجيب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:22 pm من طرف هنرى هانى
» بحث في الكتاب المقدس
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:19 pm من طرف هنرى هانى
» تنزيل الكتاب المقدس
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:17 pm من طرف هنرى هانى
» مكرونة بالخضار صيامي
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:11 pm من طرف هنرى هانى
» كباب على الطريقة العراقية (كفته)
الأربعاء أبريل 25, 2012 10:00 pm من طرف هنرى هانى
» الدجاج المحشو بالأرز والزبيب
الأربعاء أبريل 25, 2012 9:52 pm من طرف هنرى هانى
» المهلبية بالشوكولاتة
الأربعاء أبريل 25, 2012 9:49 pm من طرف هنرى هانى
» الحواوشى بالعجينة
الأربعاء أبريل 25, 2012 9:47 pm من طرف هنرى هانى
» كيف تجعل إبنك..مــتــواضــعاً
الأربعاء أكتوبر 05, 2011 1:54 pm من طرف gurgis